التفاسير

< >
عرض

أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
-الواقعة

تفسير صدر المتألهين

أفأنتم بهذا الحديث الذي جاء من الغيب إلى الشهادة متهاونون. وتقديم الظرف على عامله للاهتمام به والإعتناء بأمره للمبالغة في أنّ المداهنة - أي لين الجانب وعدم التصلّب في مثله -، ممّا يستغرب ويتعجّب منه، بخلاف غيره من الأحاديث التي تنشأ أوّلاً من عالَم المحسوس إلى السمع، ثمّ ترتقي إلى الباطن، فإنّ أكثر الناس متخيّلهم يتبع محسوسهم، وكذا معقولهم يتبع متخيّلهم، ولذا قيل: "مَن فقد حسّا فقد فقَدَ عِلماً" وذلك لعكوف أكثر النفوس في عالم المحسوس، وليس كذلك نفوس الأنبياء، فهم كما مر يرون ويسمعون في باطنهم أوّلاً من عالَم الغيب، ثمّ يتكلّمون بما شاهدوه.
والرزق ما يتغذّى ويتقوّى به العبد سواء كان حراماً أو حلالاً، محسوساً أو غير محسوس. وما قيل: "إنّ الحرام ليس من الرزق"، معناه: إنّه لا يحصل به البقاء على السعادة الأخرويّة. فكما أنّ الملائكة غذاؤهم التسبيح والتقديس، وأهل السعادة من الناس غذاؤهم العلم وزادُهُم التقوى، فكذلك الشياطين وأهل الشقاوة، غذاؤهم تكذيب الحقّ والإبعاد عنه، وترويج الباطل وإبطال الحقايق بالشبهات والتمويهات، لأنّهم بهذه الأفاعيل المزخرفة يتظاهرون ويتطاولون على الناس، ويترسّخ في باطنهم نار الجحيم، ويشتدّ بزيادة الفظاظة والغلظة عذابهم الأليم.
كما قال تعالى:
{ { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } [البقرة:10].
وفي الكشّاف: { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } على حذف المضاف، أي: وتجعلون شكر رزقكم التكذيب. أي: وضعتم التكذيب موضع الشكر.
وقيل: نزلت في الأنوار ونسبة المنافقين السقيا إليها، والرزق: المطر.
وعن ابن عبّاس: أصاب الناس عطش في بعض أسفاره (ص) فدعا، فسقوا فسمع رجلاً يقول: مطرنا بنوء كذا. فنزلت الآية.
أي: وتجعلون شكر ما رزقكم الله من الغيث، إنّكم تكذبون بكونه من الله، حيث تنسبونه إلى النجوم.
وعن الحسن: معناه: وتجعلون حظكم من القرآن الذي رزقَكم التكذيب به.
وقرئ: تكْذبون. لأنّهم كذبوا في قولهم القرآن سحر وشعر وافتراء، أو قولهم: المطر من الأنواء. وكذا في تكذيبهم لما هو حق، فإنّ كلّ مكذّب بالحق كاذب.