التفاسير

< >
عرض

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١
-الجمعة

تفسير صدر المتألهين

جرّ هذه النعوت لأنها تابعة للاسم المجرور. وفي الكشّاف: قرئت صفات الله تعالى بالرفع على المدح، كأنّه قيل: "هو الملك القدّوس"، ولو قرئت منصوبة لكان وجهاً، كما قيل: "الحمد لله أهل الحمد".
أي: يقدّس الله وينزّهه ويمجّده كلّ ما في العلو والسفل والملكوت الأعلى والأسفل. وإنّما قال مرّة: { سَبِّحُ لِلَّهِ } بصيغة الماضي، ومرّة: { يُسَبِّحُ لِلَّهِ } بصيغة المضارع ليكون تنبيهاً للناظر الخبير والأديب الأريب على دوام وقوع تنزيهه عن صفات الموجودات المتغيّرات، وعن سمات الممكنات الثابتات فيما سبق وفيما لحق، أي: سبّح له سوابق الممكنات، ويُسبّح له لواحق الكائنات ممّا في الأرض والسموات من جهة أسبابها وعللها السابقة، وعوارضها ونتايجها اللاحقة.
إشراق
الأسماء الحسنى في الآية الشريفة
قد مر تفسير لفظ الجلالة في تفسيرنا لآية الكرسي.
والملك الحقّ: ما له وجود كلّ شيء ويفتقر إليه كلّ شيء. فإنّ مَن لا يكون موجداً الكلّ ما سواه لم يكن له التصرّف في شيء واحد من الأشياء حيث شاء ومتى شاء وبأيّ وجه شاء، فلم يكن ملكاً حقّا لشيء، بل مع شركة من الغير وافتقار له إلى الغير، فكلّ ملك حقّ يجب أن يكون موجد الكلّ وإله الجميع.
و "القدّوس": هو المجرّد المستغني في وجوده وحقيقته عن التعلقّ والارتباط بغيره سواء كان ذلك الغير فاعلاً له، أو غاية، أو مادّة، أو صورة أو موضوعا أو عَرَضاً، أو جزءً مطلقاً، وسواء كان التعلّق في الخارج، أو في العقل، كتعلّق وجود الشيء ذي الماهيّة بماهيّته، وكتعلّق النور بجنسه أو فصله، أو تعلّق أحدهما بالآخر، فالله سبحانه مقدّس عن التعلّق بشيء من المبادئ المقوّمة بسبب من الأسباب المحصّلة، لا سبب به يحصل، ولا سبب له يوجد، ولا منه ولا عنه ولا فيه ولا مَعَهُ، لأنّ كلاًّ من هذه الأمور تسقط أوّليّته وتصادم تقدّمه وإلهيّته، وهو مبدأ للأشياء ومنتهاها، وأوّلها وآخرها وظاهرها وباطنها.
و "العزيز": بالحقيقة هو المتبّرئ عن كل نقص وآفة، والمتمجّد عن كلّ قصور وشَين، والممتنع عن أن تصل إلى نيل جلاله أفهام العاقلين فضلاً عن الغافلين، أو أن تدرك كنه جماله أنظار الموحّدين فضلاً عن أوهام الملحدين والمعطّلين.
و "الحكيم": العالِم الذي يعلم نظام الخير في الأشياء ويضع الأشياء على وجه يوّدي إلى غاياتها الذاتيّة وتترتّب عليها وجوه المنافع وتتخلّى عن الشرور والآفات بقدر الإمكان، وبالجملة، على وجه يؤدّي المجموع إلى الخير المحض والاجمال المطلق والكمال الأتمّ والجلال الأرفع.
فالحكمة مفهومها متحصّل من علم تامّ وقدرة بالغة. إذ القدرة صفة تؤثّر وفق العلم والإرادة، وهي فينا من الكيفيّات النفسانيّة مصحّحة للفعل وتركه، وقوّة على الشيء وضده، وتعلّقها بالطرفين على السويّة، فلا تكون تامّة لأنّها فينا إمكان صِرْف وقوّة محضة لأنّ مبادي أفاعلينا الاختياريّة واردة علينا من خارج - كالعلم بالفائدة أو ما في حكمه -، ثمّ الشوق، ثمّ الإجماع المسمّى بالإرادة والكراهة. وفيه تعالى هي الفعل مطلقاً إذ لا جهة إمكانيّة فيه سبحانه، وليست قدرته مندرجة تحت إحدى المقولات، بل هي نفس وجود ذاته وكونه بحيث تصدر عنه الموجودات لأجل علمه بنظام الخير الذي هو عين ذاته، فإذا نسبت إليه الممكنات من حيث إنّها صادرة عن علمه، كان علمه بهذا الاعتبار قدرة، وإذا نسبت إليه من حيث أن علمه كافٍ في صدورها، كان علمه بهذا الاعتبار إرادة، وإذا كانت الأشياء الصادرة عن علمه على غاية الإحكام والاتقان وخيريّة النظام، كان علمه بهذا الاعتبار حكمة.
حكمة إشراقية عرشية
سريان التسبيح
إنّ في القرآن نصوصاً قاطعة على سريان تسبيح الحقّ كسريان نور الوجود والشهود في جميع المجودات، حتّى الجماد والنبات، وعليه دلائل وشواهد عقليّة وكشفيّة، وأمارات وإشارات نقليّة وسمعيّة.
فمن الطريق الأوّل مسلكان:
الأوّل: أنّ كلّ موجود من الموجودات العالميّة دالّ - لمن نظر وتأمّل فيه - على وجود صانعه ووحدانيته وعلمه وإرادته وقدرته وحكمته، دلالة عقليّة واضحة، فهي كلّها مسبّحة مهلّلة محمّدة مكبّرة، إذ حقيقة التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، هي الشهادة على وحدانيّة الصانع وتنزيهه عن النقائص، وإظهار عظمته وكبريائه، والدلالة على إلهيّته وقدرته، سواء كانت بالألفاظ أو بالذوات أو بالصفات، وسواء كانت الدلالة بوضع واضع وجَعْل جاعل، أو يكون وجود الدالّ عين كونه دالاً بلا تخلّل وضع واضع وجعل جاعل، فكلّ موجود بمنزلة كلام ناطق دالّ على تنزيهه تعالى وتقديسه، إذ يفهم منه وحدانيّته تعالى، واتّصافه بصفات الكمال، وتقدّسه عن سمات النقص والزوال، وأعلى المراتب في الشهادة والدلالة؛ دلالة ذاته لذاته، وشهادة صفاته على ذاته وصفاته وأفعاله، ثمّ دلالة أفعاله عليها، وهم الملائكة المقرّبون، ثمّ النفوس الصالحون المقدّسون، ثمّ سائر المكوّنات، كما قال تعالى:
{ شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [آل عمران:18]. قوله: { { وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ } [الرعد:13].
المسلك الثاني: أنّ للحقّ تعالى معيّةً ثابتة مع جميع الموجودات، وظهوراً خاصّاً منه في كلّ الهويّات، ليس كمعيّة جوهر مع جوهر، أو جوهر مع عَرَض، أو عَرَض مع أحدهما، بل أشد من جميع المعيّات حتّى معيّة الوجود مع الماهيّة، فلا يكون ممازجاً ولا مواصلاً ولا مغايراً ولا مفاصلاً ولا متّحداً كاتّحاد موجود بموجود، ولا كاتّحاد ماهيّة متحصّلة بماهيّة متحصّلة، بل كما قال إمام الموحْدين ومقتدى العارفين أمير المؤمنين (ع): "مع كلّ شيء لا ببمازجة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة".
فكلّ موجود من الموجودات كقطرة في بحر وجوده، وذرّة متواصلة في إشراق ظهوره وشعاع نوره، فإذا كان الحقّ بجميع صفاته الكماليّة ونعوته الجماليّة والجلالية متجلياً على جميع الأشياء، فلكل من الموجودات عين شاهدة لأوصاف جماله، ولسان ملكوتيّ مسبّحٍ مقدّس لنعوت كماله، فكل ما في السموات وما في الأرض يسبّحه ويهلّله ويمجّده ويكبّره بجميع ألسنة ذاتها وقواها ومشاعرها وضمائرها وأسرارها وظواهرها وأطوارها قولاً وفعلاً وضميراً واعتقاداً.
إشارة حِكَمية
قد تقرّر في أنظارنا الحِكَميّة، وأسفارنا الإلهيّة، أنّ جميع الموجودات متوجّهة نحو الحقّ تعالى طبعاً وإرادة وعقلاً، وهذا المعنى مشاهَد في أكثر المحسوسات الجوهريّة، مثل بذر النبات في حركاته نحو الكمال، ونطفة الحيوان في تطوّراته من حال إلى حال، وخلقة الإنسان في شؤوناته من لدن كونه عقلاً هولانيّاً مهيّأً للاستكمال شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ مراتب الرجال الواصلين إلى درجة العقل المستفاد - بل الفعّال -، ثمّ يترقّى في طور الولاية والقرب إلى أن يصل إلى الله العزيز المتعال.
وإذا ثبت هذا وتقرّر، ظهر أنّ كلّ موجود على حسب وجوده عارف بربّه المتّصف بصفات الجمال، المنزّه عن نقائص الإمكان والزوال، ومن عرف الله فلا محالة يسبّحه ويقدّسه وينزّهه بلسان الحال أو المقال أو الفِعال، فكلّ موجود يسبّح بحمده إلاّ من غلب عليه الوهم المغيّر لخلق الله.
هذا من سوانح هذا المقام فافهم واغتنم.
وأمّا الطريق الثاني:
وهو طريق الذين لا يصدقّون بالأشياء إلاّ بمباشرة الحواسّ، لا ببرهان وقياس، فالمنقول من الآيات والأحاديث الدالّة على تسبيح الموجودات - حتّى الجمادات - كثيرة غير محصورة، فمنها ما أفصح الله عنه بقوله:
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } [الحج:18].
ومنها قوله:
{ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } [النحل:48]. فقد بيّن سبحانه أنّ ذلك التفيّؤ يميناً وشمالاً سجود لله وعبوديّة وخضوع وصغار وذلّة لجلاله وجماله.
ومنها قوله تعالى متمّماً لهذا المعنى:
{ { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [النحل:49 - 50] أي ممّن يدبّ عليها ثمّ قال: { وَهُمْ } يعني أهل السموات والملائكة، يعني التي ليست في سماء ولا في أرض { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن عبادة ربّهم، ثمّ وصفهم بالخوف ليعلّمنا أنّهم عالمون بمَن سجدوا له، ثمّ وصف المأمورين منهم أنّهم { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }.
ثمّ قال في حقّ الذين هم عند ربّهم:
{ { يُسَبِّحُونَ لَهُ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ } [فصلت:38] أي لا يملّون ولا يفترون، كل ذلك للدلالة على أنّ العالَم كلّه في مقام الشهود والعبادة والعلم والشهادة، إلاّ كلّ مخلوق له قوّة التفكّر، وليس إلاّ النفوس الوهمانيّة الشيطانيّة والحيوانيّة خاصّة من أعيان نفوسهم لا من حيث هياكلهم وظلالهم فإنّ هياكلهم وظلالهم كساير أعيان نفوسهم لا من حيث هياكلهم وظلالهم فإنّ هياكلهم وظلالهم كساير أعيان العالَم في التسبيح والتقديس والسجود، فأعضاء البدن كلّها مسبحة ألا تراها تشهد على النفوس المسخّرة لها يوم القيامة من الجلود والأيدي والألسن والسمع والبصر وجميع القوى، فالحكم لله العليّ الكبير.
وأمّا النفوس الوهميّة فهي مؤتمرة للشيطان، مغيّرة خلق الله عمّا فطر عليه، مبتكة آذان الأنعام.
ومنها: ما في الأدعية النبويّة - على الداعي وآله أفضل الصوات ولهم أجزل الدعوات -: "إلهي أنت الذي سجد لك السماء والأرض وسجد لك سواد الليل ونور النهار. وضوء القمر وشعاع الشمس، وحفيف الشجر ودويّ الماء".
وإنّما ذكر هذه الأمور الضعيفة الوجود استظهاراً لتحقّق السجود والعبوديّة والشهادة والشهود لمباديها الجوهريّة الصوريّة ومقوّماتها النوعيّة النورية - فافهم واغتنم -.
إشراق عرشيّ
حقيقة التسبيح ومراتبها
حقيقة التسبيح وروحه تجريد الذات الإلهيّة عن علائق الأكوان وشوائب الحدثان والإمكان، وهذا لا يتحصّل إلا ممّن كان له نحو من التجرّد والطهارة، فكلّ من كان أشدّ تجّرداً وأقوى براءة عن الموادّ الكونيّة، وأتمّ تخلّصاً عن الغواشي الدنيويّة، فهو أتمّ تسبيحاً للحق، لأنّ كل أحد لا يعتقد شيئاً إلاّ بما في جوهره وذاته.
وهذه الحقيقة لها مراتب:
إحداها: مرتبة الذات الأحديّة الإلهيّة، سبّوح قدّوس ربُّ الملائكة والروح.
وثانيها: تسبيح الملائكة المقرّبين والعقول المهيّمين، ولكلّ واحد منهم تسبيح واحد مشتمل على أعداد تسبيحات التي دونه.
وثالثها: تسبيح الملائكة السماويّة، ولكلّ منهم تسبيحات متعدّدة حسب أعداد الدورات الأكريّة الفلكيّة الكوكبيّة وأعداد الارتباطات والقرانات والأنظار والاتّصالات، وبالجملة حسب تكرّر الحوادث الماضية والآتية التي وقعت لكل كرة من الكرات، منسلكة كالسبحة في مسلك امتداد الأزمنة والأوقات.
ورابعها: تسبيح الملائكة الأرضيّة والنفوس النطقيّة مع طبائعها وقواها الطبيعيّة السفليّة.
وخامسها: ذكر الأبدان والأبعاد مع أعضائها وأجزائها، وكلّ واحد منها مسبّح وذاكر لربّه بلسان يخصّه، بل كلّ واحد لسان لذكر الحقّ وتسبيحه بوجه، كما ذكره صاحب فصوص الحكم بقوله: "فالكلّ ألسنة الحقّ ناطقة بالثناء عليه، بل إن شئت قلت: كلّ واحد تسبيح وذكر لربّه".
والعالَم كلّه أيضاً من جهة الوحدة الطبيعيّة له كما أثبتها المحقّقون، تسبيح واحد وذكر مفرد لوصف جماله تعالى وجلاله، وسبحة واحدة بوجه آخر يوصف بها كماله تعالى وربوبيّته، وشخص مسبّح بوجه آخر، ولسان ذاكر له بوجه آخر.
هذا باعتبار وحدته وإجماله، وأمّا باعتبار كثرته وتفصيله، فألسْنة متعدّدة وتسبيحات كثيرة أو مُثْنيات ومسبّحات حسب تعدّد الموجودات وتكثّر الممكنات، فإنّ كلّ طبيعة نوعية لها أفراد غير متناهية، فله مثال عقليّ هو ربّ أصنافها الشخصيّة، ونور ظلال أفرادها الماديّة، وهو الملك الهادي الملهِم لها طريق الخير والكمال، الصارف عنها الآفة والشرّ والوبال، وذلك الملك المدبّر المربي لها يسبّح الحقّ بألْسِنة تلك الأفراد كلّها، كما أشير إليه في الإشارات النبويّة والرموز الوَلَويّة.
وبهذا يتضح ويستكشف تسبيح الجمادات والنباتات بلا مِرْيَة، حيث لكلّ نوع منها وجه إلى الحقّ لأوّل، وهو طباعة التامّ وحقيقته الأصليّة، وهو المقوّم لأفراده المتمّم لآحاده، بحيث يكون فعلها فعله، وذاتها ذاته لأنّ نسبة أفراد كلّ نوع طبيعيّ متكثّر الأجسام متخالف الأصنام إلى ما يدبّر أجسامها ويربّي أصنامها، نسبة البدن بما فيه من الأجزاء والقوى إلى النفس الناطقة، إلاّ أنّه لا ينفعل ولا يتأثر بها كما تنفعل نفوسنا عن أبداننا وقواها ما دُمنا في هذا العالَم.
فكما أنّ وجود البدن وقواه متّحد مع وجود النفس وأفعاله، مستهلك في أفعالها، فكذلك الحكم فيما أشرنا إليه.
وهذا الوجه في تسبيح هذه الموجودات قريب المأخذ ممّا ذكره بعض العارفين في تأويل هذه الآية وهو قوله: "المسبِّح": هو الروح المنبَثّ في سائر الأرواح، والقائم بالصور والأشباح، وهو وجه الوجوه إلى الحقّ، وسرّ الذوات المتنوعّة بتنوّعات الخلْق، قال الله تعالى:
{ { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [القصص:88]. فـ "الهاء" في "وجهه" عائدة إلى الشيء الهالك الذي لا يفنى حقيقة بفناء قالبه الحسّي وصورته الحسّية، والروح هي المسبّحة الطائعة والمشاهدة السامعة مستمرّة الحكم بذلك في الوجود، منها التسبيح والسجود حين الصَعق اللاحق بها في الآخرة، حين يقول الله سبحانه: { { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر:16]، فلا يجيبه أحد لخمودها بالصعق الأخروي، فيجيب نفسه بنفسه: { { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر:16].