التفاسير

< >
عرض

فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ
١٠
-الطارق

تفسير صدر المتألهين

"القوّة": كالسمع والبصر والنامية والغاذية. و "الناصر": كالأهل والولد والخيل والبغال، وكلاهما مسلوبان في النشأة الثانية عن الإنسان، وذلك لأنّ وجودهما بإمداد الأسباب العَرَضيّة، والعلل الخارجيّة الإتفاقيّة التي يختصّ وجودها بهذا العالَم، وهو عالم الموادّ والاستعدادات الناشية عن الجهات القابلة والحركات.
وأمّا النشأة الآخرة، فالمبادي هناك ذاتيّة لا اتّفاقيّة، والجهات منحصرة في الجهات الفاعليّة الآخذة من المبدأ الأعلى، فيكون الحقّ متفرّداً في ذلك اليوم بالحكم والاقتدار، وبه التمكّن والإقدار، والنصرة والإنتصار، فلا قوّة ولا منعة للإنسان في ذلك اليوم يمتنع بها، ولا ناصر ولا دافع يمنع ويذبّ عنه، لارتفاع النسب الوضعيّة والأنساب العنصريّة البشريّة، فالأمر يؤمئذ لله، يغفر لمن يشاء ويعذّب من يشاء، ليس لأحد غيره ملك ولا سلطان، ولا قدرة ولا قوّة على شيء، بل الكلّ يكونون يومئذ مشغولين بأنفسهم
{ { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهُ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:34 - 37].
فإن قيل: هل فيه دليل على نفي الشفاعة؟
يقال: لا، لأنّ الضمير في "لَهُ" راجع إلى الإنسان، وهو كالمهملة في قوّة الجزئيّة - هذا ما قيل -، ويخدشه قوله تعالى:
{ { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [عبس:37] لأنّه يدلّ على العموم.
والحقّ أنّ الشفاعة لا تثبت إلاّ بعد تحقّق المناسبة الذاتيّة بين الشافع وما يشفع له، وكون الشافع من الوسائط العقليّة لا الوضعيّة، فعلى هذا لا تنافي ثبوتها كليّة الحكم المذكور، إذ السلب من جهة والإيجاب من جهة أخرى كما علمت.