التفاسير

< >
عرض

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً
١٥
وَأَكِيدُ كَيْداً
١٦
-الطارق

تفسير صدر المتألهين

الضمير راجع إلى مشركي مكّة، لأنّ السورة مكيّة، أي: يعملون المكايد والحيل في إبطال القرآن، وإطفاء نور الله - وَيَأبى الله إلاَّ أنْ يُتِمَّ نُورَهُ -، فيكايدهم ويقابلهم بكيده، أي: يدبّر ما ينقض تدابيرهم ويهدم مكائدهم. وسمّي ذلك كيداً من حيث خفائه عليهم أوّلاً، وظهوره أخيراً على نحو الاستدراج ونحوه.
ولا يبعد أن يراد بالكائدين القوى النفسانيّة وخصوصاً الوهميّة المكّارة المنازعة للقوى القدسيّة في طريق الحقّ، فإنّها وإن كانت منازعة إيّاها، إلاّ أنّ الله بإفاضته نور الهدى على قلب عبده المؤمن، وإعطائه له البرهان النِّير القدسي، والتأييد التامّ الحدسي، يغلبها على قواها كلِّها، ويظهرها عليها، ويخلّصها من كيد القوى سيّما الوهم الذي هو خليفة الشيطان في عالَم الإنسان، ويجذبها إلى عالم القدس بإبطال كيد جنود الشيطان، وجعلها مسخّرة خادمة للقوّة القدسيّة، مطيعة مناقادة مشايعة معها إلى جناب الحقّ مسلّمة مسالمة، بعدما كانت أَنِفَةً منازعة متأبّية عن طاعة الحقّ كافرة جاحدة.
كشف
معنى إسناد الكيد إليه تعالى
إسناد الكيد إليه سبحانه من باب المجاز - كما هو الظاهر -، فتكون العلاقة هي المزاوجة، كقوله تعالى:
{ { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى:40]. وإطلاق اسم الضدّ على الضِد أو ترتُّب الغاية، فإنّ أوصافه تعالى الفعليّة في أكثر المواضع إنّما توجد باعتبار الغايات لا باعتبار المبادئ كالرحيم والمنتقم وغيرهما - ممّا لا تنفكّ مباديها عن انفعال وتأثير في الموصوف بها، فكيده تعالى عبارة عن إنزال المكروه بالمُكيد من حيث لا يشعر، استعارة من فعل الكايد بمن يكيده.
فالمعنى: إنّه تعالى يجازي الذين شمَّروا لإبطال القرآن أو إطفاء نور الرسول الذي هو هدى للناس ورحمة، أو إبطال نور القوّة القدسيّة التي هي نور يهتدى به في ظلمات بَرِّ المحسوسات، وبحر المعقولات، بكيدٍ منه.
فيظهر الكتاب على سائر الكتب السماويّة، ويظهر الدين الذي صدع به على الدين كلّه ولو كره المشركون، ويقهر النور القدسيّ على ظلمات سائر القوى الوهميّة والخياليّة والحسّية التي بعضُها فوق بعض.
ثم أن تقييد الفعلين بالمصدر المؤكّد وتنكيره، إشعار بأنّ الأمر ذو شأن عظيم وخَطْب جليل. "الحقّ أبلَج والباطل لجلَج".
{ { وَقُلْ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [الإسراء:81].