التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ
٢
ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ
٣
-الطارق

تفسير صدر المتألهين

كما أنّ حقيقة الإنسان هي روح معناه، ونفسه الناطقة، وعقله المدبّر له، كذلك حقيقة كلّ ذي روح عقليّ، كما يصحّ إطلاق اسم الإنسان على كلّ من النفس والبدن - وعلى المجموع أيضاً كلّ باعتبار كما حقّق في موضعه - كذلك القياس في اطلاق اللفظ في كلّ ما له روح وجسد، فحقيقة كلّ كوكب هي نفسه المدبّرة له، وعقله الفيّاض عليه.
فإذا كان الطارق إشارة إلى جنس المفارقات العقليّة، ينبغي أن يراد بالنجم الثاقب، عقله الذي يثقب ظلام عالم الإمكان بتنويره وإشراقه على مادّة الكواكب، ويطرد العدم عن مهيّته بإفاضة وجوده عليها، كما أنّ جسميّة الكواكب بصورتها النوعيّة وطبيعتها النوريّة الحسية تثقب ظلام عالَم الأجسام بضوئها فينفذ فيه.
ولذلك أيضاً يقال للكوكب: "دُرّي" لأنّه يَدْرَءُ الظلمة، أي: يدفعها.
وأمّا وصفه: "بالطارق" فلأنه يبدو بالليل في عالم الحسّ عند احتجاب الشمس عن الأبصار، كما أنّ الحقيقة العقليّة تبدو على العقل في ظلمة ليل الإمكان وجهة التعيين الإمكاني قبل إشراق شمس الحقيقة على البصائر، الماحية لأنوار التعيّنات الإمكانيّة الظاهرة على آثار الوجودات الأعيانيّة، ولذلك يقال في اللغة للآتي ليلاً: "طارق".
وقيل: لأنّه يطرق الجنّي، أي: يصكّه.
وبالجملة، المراد بحسب عالَم الحسّ، جنس النجوم، أو جنس الشهب التي تطرد بها الظلام أو ترجم بها الشياطين، كما ترجم شياطين النفوس الوهمانيّة عن بلوغ سماء عالَم الحكمة بأنوارها العقليّة.
وفي الكشّاف: فإن قلت: ما يشبه قوله: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } إلاّ ترجمة كلمة بأخرى، فبيِّن لي: أيّ فائدة تحته؟
قلت: أراد الله - عزّ من قائل - أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، وأن ينبّه على ذلك، فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره وهو: الطارق. ثمّ قال: { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ }، ثمّ فسّره بقوله: { ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } كلّ هذا إظهار لفخامة شأنه كما قال:
{ { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة:75 - 76].