التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا
٤
-الزلزلة

تفسير صدر المتألهين

هذا التحديث منها على سبيل الحقيقة، لأنّ حقيقة الكلام إبداء ما في الضمير، وإعلام المكنونات مع الإرادة، سواء كان بغير لسان مثل كلام الله وكلام الملائكة، أو بلسان.
فالأوّل: بأن ينكشف عنها يوم القيامة دقائق صنع الله فيها، وعجائب حكمته في خلقها، والغايات التي خلقت لأجلها، وسبقت إليها وبعثت لها.
وأمّا الثاني: فبعد صيرورتها جوهراً ناطقاً، أنطقه الله الذي أنطق كلّ شيء، إذ ما من شيء إلاّ وهو ناطق - إمّا بالفعل أو بالقوّة -، فيخرج من حد القوّة إلى حدّ الفعل بالحركة الاستكماليّة المعنويّة التي مرّت إليها الإشارة، كما قال جلّ ذكره:
{ { ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه:50].
فهذه الهداية الإلهيّة هي التي يُخرج الله بها الخلائق إلى رحمته، ويسوق بها عباده إلى رضوانه، وذلك بعد إدخال كلّ من المكوّنات في باب الإنسانيّة، إذ هو باب الله الذي منه يؤتى، وصراطه المستقيم إليه، فيؤخذ كلّ شيء إليه بالنواصي والأقدام و
{ { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [هود:56]. والدابّة كلّ ماشٍ، وما من كائن في العالم إلاّ وهو ماشٍ - كما مرّ - وله حياة وتسبيح خاص، ويذكر الله باسم خاصّ يمشي به إلى جانب الحقّ، وهكذا عند صاحب الكشف والشهود.
وكلّ ماشٍ فهو على صراط الإنسانيّة، والحقّ آخذ بناصيته يتصرّف فيه ويجرّه إليه بحسب أسماء يسلك بها إليه، والكلّ مهتدٍ من هذا الوجه، والضلال من العوراض الطارية، كما أنّ الرحمة وسعت كلّ شيء، والغضب عارض، فالمآل إلى الرحمة التي وسعت كلّ شيء.
وقد انساق الكلام هنا إلى مقام تدقّ عن دركه خواطر الأنام، بل تضيق عن تحقيقه حواصل أفهام الفضلاء الكرام - فضلاً عن أصحاب اللقلقة والكلام.
وفي الكشّاف: هو مجاز عن إحداث الله تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التحديث باللسان، حتّى ينظر من يقول ما لها إلى تلك الأحوال فيعلم لِم زلزلت ولِم لفظت الأموات، وأنّ هذا ما كان الأنبياء ينذرون به ويحذّرون منه.
وقيل: ينطقها الله على الحقيقة ويخبر بما عمل علهيا من خير وشرّ.
وروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):
"تشهد على كلّ أحد بما عمل على ظهرها" .
وهذه الأحوال غير منافية لما ذكرنا، بل مؤكدة لما بيّنا.
وقوله سبحانه: "يَوْمَئِذٍ"، بدل من: "إذَا" واقع في حيّزه، فتكونان مَعْمُولَي فعل واحد ينصبهما وهو "تحدّث"، ويجوز أن ينتصب الأوّل بعامل مضمر مثل "اذكر" أو ما يجري مجراه، والثاني بتُحَدِّث، ومفعوله الأوّل محذوف، والثاني: "أخْبارَها".
وفي قراءة ابن مسعود: تُنبّئ أخبارها. وسعيد بن جبير: "تنبئ" - التخفيف -.