التفاسير

< >
عرض

بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا
٥
-الزلزلة

تفسير صدر المتألهين

الباء للسببيّة، وهي متعلّقة بـ "تحدّث"، أي: تحدثّ أخبارها بسبب إيحاء ربّك يا محمّد لها، وأمره إيّاها بالتحديث بألسنة ناطقة بإذن الله، من مواضع النطق والإعلام، ومشاهدة الإظهار والإخبار، وذلك بحسب صوَر كمالاتها الأخرويّة، وغايات استكمالاتها المؤديّة إلى النشأة الثانية، نشأة الأرواح والنفوس، وموطن المجازاة على الأعمال والحركات.
ومثل هذا التحديث من الأرض في ذلك اليوم، شهادة الأيدي والأرجل والجلود بما كانوا يعملون، فكما أنّ الأعمال البشريّة والأفعال الصادرة من أفراد الإنسان مدّة كونهم في هذه الدار، تتأدّي بهم يوم الآخرة إلى صور هيآت تقتضيها الأخلاق والنيّات الحاصلة من تكرّر تلك الأعمال والأفعال، وبحسبها، يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون
{ { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [فصلت:21].
فكذلك حكم زلزلة الأرض. واندكاك الجبل، وانشقاق السماء، ينطق كلّ منها بلسان يخصّه، بوحي يوحى إليه عن أحواله وأفعاله بنطق حسّي أو عقليّ، كما أوحاه الله إليه وأنطقه به.
وقوله: أوحى لها - بمعنى: أوحَى إليْها. وقيل: "الباء" للصلة، ويكون المعنى: يومئذ تحدّث بتحديث أنّ ربّك أوحى لها أخبارها، على أنّ تحديثها بأنّ ربّك أوحى لها، تحديث بأخبارها، كما تقول: "نصحتني بكلّ نصيحة بأن نصحتني في الدين".
وقيل: يجوز أن يكون "بأنّ ربّك" بدلاً من "أخبارها" كأنّه قيل: يومئذ تحدّث بأخبارها بأنّ ربّك أوحى لها. لأنّك تقول: حدّثته كذا، وحدّثته بكذا.