التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ
٥٩
وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
٦٠
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ
٦١
أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٢
ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ
٦٣
لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٤
-يونس

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (59) قُلْ أَرَأيْتُمْ } أخبروني { مَّآ أَنزَلَ اللهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ } حلال كلّه { فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَراماً وَحَلالاً } فجعلتم بعضه حراماً وبعضه حلالاً مثل هذه أنعام وحرث حجر ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا { قُلْ ءَاللهُ أَذِنَ لَكُمْ } في التحريم والتّحليل فيقولون ذلك بحكمه { أمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ } في نسبة ذلك إليه.
{ (60) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكذِبَ } أي شيءٍ ظنّهم { يَوْمَ الْقِيَامَةِ } أيحسبُون أن لا يجاوزوا عليه وهو تهديد عظيم حيث أبهم الأمر { إنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ } بما فعل بهم من ضروب الإِنعام { وَلَكِنَّ أكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ } نعمه.
{ (61) وَمَا تَكُونُ } يا محمّد فِيَّ شَأْنٍ في أمر { وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ } من الشأن { مِن قُرْءَانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ } أنتم جميعاً { مِنْ عَمَلٍ إلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إذْ تَفيضُونَ فِيهِ } تخوضون فيه وتندفعون.
في المجمع عن الصادق عليه السلام والقميّ قال: كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم إذا قرىء هذه الآية بكى بكاءً شديداً { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ } وما يبعد وما يغيب عن علمه وقرىء بكسر الزّاي { مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ } ما يوازن نملة صغيرة أو هباء { في الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَآءِ وَلآَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلآَ أَكْبَرَ إلاَّ فِي كِتابٍ مُّبينٍ } استيناف مقرّر لما قبله وقرىء بالرّفع فيهما.
{ (62) أَلآَ إنَّ أَوْلِيَآءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من لحوق مكروه { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } بفوات مأمول.
{ (63) الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } بيان لأولياء الله أو استيناف خبره ما بعده.
العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام هم نحن وأتباعنا ممّن تبعنا من بعدنا طوبى لنا وطوبى لهم وطوباهم أفضل من طوبانا قيل ما شأن طوباهم أفضل من طوبانا ألسنا نحن وهم على أمر قال لا انّهم حمّلوا ما لم تحمّلوا وأطَاقوا ما لم تطيقوا.
وفي الإِكمال عن الصادق عليه السلام طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره اولئك أولياء الله الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وفي الجَوامِع عن النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلم أنّه سئل عن أولياءِ الله فقال هم الذين يذكّرون الله برؤيتهم يعني في السّمت والهيئة.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرف الله وعظّمه منع فاه من الكلام وبطنه عن الطعام وعنّى نفسه بالصيام والقيام قالوا بآبائنا وأمّهاتنا يا رسول الله هؤلاءِ أولياء الله قال انّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً ونظروا فكان نظرهم عبرة ونطقوا فكان نطقهم حكمة ومشوا فكان مشيهم بين النّاس بركة لولا الآجال التي كتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً مِنَ العذاب وشوقاً إلى الثواب.
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال وجدنا في كتاب عليّ بن الحسين عليه السلام أَلا إِنَّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون اذ أدّوا فرض الله وأخذوا بسنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتورّعوا عن محارم الله وزهدوا في عاجل زهرة الدّنيا ورغبوا فيما عند الله واكتسبوا الطّيّب من رزق الله لا يريدون التفاخر والتكاثر ثم انفقوا فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين بارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدّمُوا لآخرتهم وفي المجمع عن السجاد عليه السلام مثله.
{ (64) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ }.
في الكافي والفقيه عن النّبيّ صلَّى الله علي وآله وسلم والقميّ والبُشرى في الحياة الدّنيا هي الرّؤيا الحَسَنة يراها المؤمن فيبشر بها في دنياه.
وزاد في الفقيه وأمّا قوله في الآخرة فانها بشارة المؤمن عند الموت يبشر بها عند موته إنّ الله عزّ وجلّ قد غفر لك ولمن يحملك إلى قبرك.
والقميّ وفي الآخرة عند الموت وهو قوله تعالى
{ { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } [النحل: 32] وفي الجوامع عن النّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم هي في الدّنيا الرؤيا الصالحة يراها المؤمن لنفسه أو يرى له وفي الآخرة الجنّة.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية يبشّرهم بقيام القائم وبظهوره وبقتل أعدائهم وبالنّجاة في الآخرة والورود على محمّد وآله والصادقين على الحوض
وعن الصادق عليه السلام إِنّ الرّجل إذا وقعت نفسه في صدره يرى رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم فيقول له أنا رسول الله أبشر ثمّ يرى عليّ بن أبي طالب عليه السلام فيقول له أنا عليّ بن أبي طالب الذي كنت تحبّه أنا أنفعك اليوم قال وذلك في القرآن قوله عزّ وجلّ { الذين آمنوا وكانوا يتّقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }.
وفيه والعياشي في معناه أخبار أُخر.
والعياشي عن الباقر عليه السلام إنّما أحدكم حين يبلغ نَفَسه هاهنا ينزل عليه ملك الموت فيقول له أمّا ما كنت ترجوا فقد اُعْطيتَه وأمّا ما كنت تخافه فقد أمنت منه ويفتح له باب إلى منزله من الجنّة ويقال له أنظر إلى مسكنك من الجنّة وانظر هذا رسول الله وأمير المؤمنين والحسَنَ والحسين صلوات الله عليهم رفقاؤك وهو قول الله تبارك وتعالى وتقدّس الذين آمنوا وكانوا يتقون الآية { لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ } لا تغيير لأقواله ولا اخلاف لمواعيده وهو اعتراض { ذَلِكَ } اشارة إلى كونهم مبشّرين في الدّارين { هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }.