التفاسير

< >
عرض

وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٩٠
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
٩١
فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ
٩٢
-يونس

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (90) وَجَاوَزْنَا بِبَني إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ } عبرنا بهم حتّى جاوزوه سالمين { فَأَتْبَعَهُمْ } لحقهم { فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيَاً وَعَدْواً } باغين وعادين.
العياشي مرفوعاً لما صار موسى في البحر اتبعه فرعون وجنوده قال فتهيّب فرس فرعون أن يدخل البحر فتمثّل له جبرئيل على رَمَكة فلمّا رأى فرس فرعون الرّمكة اتبعها فدخل البحر هو وأصحابه فغرقوا { حَتَّى إِذَآ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ ءَامَنْتُ أَنَّهُ } وقد قرىء بالكسر على الإِستيناف { لاَ إِلَهَ إلاَّ الَّذِي ءَامَنَتْ بِهِ بَنُواْ إِسْرَآئِيلَ وَأنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } كرّر المعنى الواحد ثلاث مرّات بثلاث عبارات حرصاً على القبول ثمّ لم يُقْبَل منه حيث أخطأ وقته وقاله في وقت الإِلجاءِ وكانت المرّة الواحدة كافيه وقت الإِختيار وبقاءِ التكليف.
{ (91) ءَآلآنَ } تؤمن وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار { وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } قبل ذلك مدة عمرك { وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } الضّالّين المضلّين عن الإيمان.
القميّ عن الصادق عليه السلام ما أتى جبرئيل عليه السلام رسول الله إلا كئيباً حزيناً ولم يزل كذلك منذ أهلك الله فرعون فلمَّّا أمره الله بنزول هذه الآية وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين نزل عليه وهو ضاحك مستبشر فقال رسول الله ما أتيتني يا جبرئيل إلاّ وتبيّنت الحزن من وجهك حتّى الساعة قال نعم يا محمّد لمّا غرق الله فرعون { قال آمنت أنه لا إله إلاّ الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين } فَأخذت حَمَأة فوضعتها في فيه ثم قلت له الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين وعملت ذلك من غير أمر الله عزّ وجلّ ثمّ خفت أن يلحقه الرّحمة من الله عزّ وجلّ ويعذبني الله على ما فعلت فلمَّا كان الآن وأمرني الله عزّ وجلّ أن أؤدِّي إليك ما قلته أنا لفرعون آمنت وعلمت أنّ ذلك كان لله تعالى رضاً.
{ (92) فَالْيَوَْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } ننقذك عارياً عن الرّوح ممّا وقع فيه قومك من البحر أو نلقيك على نجوة من الأرض وهي المكان المرتفع ليراك بنو اسرائيل { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ } وراك وهم بنو اسرائيل { ءَايَةً } علامة يظهر لهم عبوديّتك ومهانتك وانّ ما كنت تدّعيه من الربوبيّة محال وكان في أنفسهم أنّ فرعون أجلّ شأناً من أن يغرق.
القميّ إِنّ موسى أخبر بني اسرائيل أنّ الله قد أغرق فرعون فلم يصدّقوا فأمر الله البَحر فلفظ به على ساحل البحر حتّى رأوه ميّتاً ويأتي تمام الكلام فيه { وَإنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ ءَايَاتِنَا لَغَافِلُونَ } لا يتفكّرون فيها ولا يعتبرون.
في العيون عن الرضا عليه السلام أنّه سئل لأيّ علّة غرّق الله تعالى فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده قال لأنّه آمن عند رؤية البأس والإِيمان عند رؤية البأس غير مقبول وذلك إلى حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى
{ { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 84-85] وقال عزّ وجلّ { { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَانِهَا خَيْراً } [الأنعام: 158] وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق { قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين } فقيل له { الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لتكون لمن خلفك آية } وقد كان فرعون من قرنه إلى قدَمه في الحديد قد لبس على بدنه فلمّا غرق القاه الله تعالى على نجوة من الأرض ببدنه ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقّله بالحديد على مرتفع من الأرض وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك اية وعلامة ولعلّة أخرى أغرقه الله عزّ وجلّ وهي أنّه استغاث بموسى لمّا أدركه الغَرَق ولم يستغث بالله فأوحى الله عزّ وجلّ إليه يا موسى لم تُغِث فرعون لأنّك لم تخلقه ولو استغاث بي لأغثته.
والقمّي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية أَنّ بني إسرائيل قالوا يا موسى ادع الله أن يجعل لنا ممّا نحن فيه فرجاً فدعا فأوحى الله إليه أن سر بهم قال يا ربّ البحر أمامهم قال امض فانّي آمره أن يطيعَك فينفرج لك فخرج موسى ببني إسرائيل واتبعهم فرعون حتى إذا كاد أن يلحقهم ونظر إليه قد أظلّهم قال موسى للبحر انفرج لي قال ما كنت لأفعل وقالت بنو اسرائيل لموسى غررتنا واهلكتنا فليتك تركتنا يستعبدنا آل فرعون ولم نخرج الآن نقتل قتلة قال كلاّ إنّ معي ربّي سيهدين واشتد على موسى ما كان يصنع به عامّة قومه وقالوا يا موسى إنّا لمدركون زعمت انّ البحر ينفرج لنا حتى نمضي ونذهب وقد رهقنا فرعون وقومه وهم هؤلاء تراهم قد دنوا منّا فدعا موسى ربه فأوحى الله إليه ان اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق البحر فمضى موسى وأصاحبه حتى قطعوا البحر وأدركهم آل فرعون فلمّا نظروا إلى البحر قالوا لفرعون أما تعجب ممّا ترى قال أنا فعلت هذا فمرّوا وأمضوا فيه فلمّا توسّط فرعون ومن معه أمر الله البحر فأطبق عليهم فغرقهم أجميعن فلمّا أدرك فرعون الغرق { قال آمنت أنّه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل وأنا من المسلمين } يقول الله عزّ وجلّ { الآن وقد عَصَيْتَ قَبْلُ وكنت من المفسدين } يقول كنت من العاصين { فاليوم ننجيكَ بِبَدَنِكَ } قال إنّ قوم فرعون ذهبوا أجمعين في البحر فلم يُرَ منهم أحد هَوَوْا في البحر إلى النار وأما فرعون فنبذه الله عزّ وجلّ فألقاه بالساحِل لينظروا إليه وليعرفوه ليكون لمن خلفه آية ولئلاّ يشك في هلاكه احد انهم كانوا اتخذوه رباً فأراهم الله عز وجل جيفةً ملقاةً بالساحل ليكون لمن خلفه عبرةً وعظة يقول الله وانّ كثيراً من الناس عن آياتِنَا لغافلون.