التفاسير

< >
عرض

قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ
١
ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ
٢
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
٣
وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ
٤
-الاخلاص

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (1) قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ }.
{ (2) اللَّهُ الصَّمَدُ }.
{ (3) لَمْ يَلِدْ }.
{ (4) وَلَمْ يُولَدْ }.
{ (5) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } وقرىء كفؤاً بالتّسكين وبالتحريك وقلب الهمزة واواً القمّي وكان سبب نزولها انّ اليهود جاءت الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالت له ما نسبة ربّك فأنزل الله.
وفي الكافي والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال انّ اليهود سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله فقالوا انسب لنا ربّك فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثمّ نزلت قل هو الله الى آخرها.
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام في تفسيرها قال قل اي اظهر ما اوحينا اليك وما نبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من القى السّمع وهو شهيدٌ وهو اسم مكنّى مشار الى غائب فالهاء تنبيه على معنى ثابت والواو اشارة الى الغائب من الحواس كما انّ قولك هذا اشارة الى الشاهد عند الحواسّ وذلك انّ الكفّار نبّهوا على آلهتهم بحرف اشارة الى الشاهد المدرك فقالوا هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالابصار فاشر انت يا محمّد الى الهك الذي تدعو اليه حتّى نراه وندركه ولا نأله فيه فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو فالهاء تثبيت للثابت والواو اشارة الى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وانّه تعالى عن ذلك بل هو مدرك الابصار ومبدع الحواس.
ثم قال عليه السلام الله معناه المعبود الذي اَلِهَ الخلق عن درك ما يأتيه والاحاطة بكيفيّته ويقول العرب اله الرّجل اذا تحيّر في الشّيء فلم يحط به علماً وله اذا فزع الى شيء ممّا يحذره ويخافه والاله هو المستور عن حواس الخلق.
قال عليه السلام الاحد الفرد المتفرّد والاحد والواحد بمعنى واحد وهو المتفرّد الذي لا نظير له والتوحيد والاقرار بالوحدة وهو الانفراد والواحد المباين الذي لا ينبعث من شيء ولا يتّحد بشيء ومن ثمّ قالوا انّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأنّ العدد لا يقع في الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله تعالى الله أحد أي المعبود الي يأله الخلق عن ادراكه والاحاطة بكيفيّته فرد بالهيّته متعال عن صفات خلقه.
قال عليه السلام وحدّثني ابي زين العابدين عن ابيه الحسين بن علي عليهم السلام انّه قال الصّمد الذي لا جوف له والصمد الذي قد انتهى سودده والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب والصمد الذي لا ينام والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
قال عليه السلام كان محمّد بن الحنفيّة يقول الصمد القائم بنفسه الغني عن غيره وقال غيره الصمد المتعالي عن الكون والفساد والصمد الذي لا يُوصف بالتّغاير.
قال عليه السلام الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه.
قال وسئل عليّ بن الحسين عليهما السلام عن الصمد فقال الصمد الذي لا شريك له ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.
قال الرّاوي قال زيد بن عليّ عليه السلام الصمد الذي اذا أراد شيء قال له كن فيكون والصمد الذي ابدع الاشياء فخلقها اضداداً واصنافاً واشكالاً وازواجاً وتفرّد بالوحدة بلا ضدّ ولا شكل ولا مثل ولا ندّ.
قال وحدّثني الصادق عن ابيه عليهما السلام انّ اهل البصرة كتبوا الى الحسين بن عليّ عليهما السلام يسألونه عن الصمد فكتب اليهم بسم الله الرّحمن الرحيم امّا بعد فلا تخوضوا في القرآن ولا تجادولوا فيه ولا تتكلّموا فيه بغير علم فقد سمعت جدّي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول من قال في القرآن بغير علم فليتبوّء مقعده من النّار وانّ الله سبحانه قد فسّر الصّمد فقال الله احد الله الصّمد ثمّ فسّره فقال لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الاشياء الكثيفة الّتي تخرج من المخلوقين ولا شيء لطيف كالنّفس ولا تنشعب منه البدوات كالسّنة والنّوم والخطرة والهمّ والحزن والبهجة والضحك والبكاء والخوف والرّجاء والرّغبة والسّآمة والجوع والشبع تعالى عن ان يخرج منه شيء وان يتولدّ منه شيء كثيف او لطيف ولم يولد ولم يتولّد من شيء ولم يخرج من شيء كما يخرج الاشياء الكثيفة من عناصرها كالشيء من الشيء والدابة من الدابة والنّبات من الأرض والماء من الينابيع والثمار من الاشجار ولا كما تخرج الاشياء اللّطيفة من مراكزها كالبصر من العين والسمع من الاذن والشمّ من الانف والذّوق من الفم والكلام من اللّسان والمعرفة والتميز من القلب وكالنّار من الحجر ألا بل هو الله الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الاشياء وخالقها ومنشىء الاشياء بقدرته يتلاشى ما خلق للفناء بمشيّئته ويبقى ما خلق للبقاء بعلمه فذلكم الله الصمد الذي لم يلد ولم يولد عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ولم يكن له كفواً احد قال الراوي سمعت الصادق عليه السلام يقول قدم وفد من فلسطين على الباقر عليه السلام فسألوه عن مسائل فأجابهم ثم سألوه عن الصمد فقال تفسيره فيه الصمد خمس احرف فالالف دليل على انيّته وهو قوله عزّ وجلّ شهد الله انّه لا إله إلاّ هو وذلك تنبيه واشارة الى الغائب عن درك الحواس واللاّم دليل على الهيّته بأنّه هو الله والالف واللاّم مدغمان لا يظهران على اللّسان ولا يقعان في السمع يظهران في الكتابة دليلان على انّ الهيّته بلطفه خافية لا تدرك بالحواسّ ولا يقع في لسان واصف ولا اذن سامع لأنّ تفسير الإِله هو الذي اله الخلق عن درك ماهيته وكيفيته بحس او بوهم لا بل هو مبدع الأوهام وخالق الحواس وانّما يظهر ذلك عند الكتابة على انّ الله تعالى اظهر ربوبيّته في ابداع الخلق وتركيب ارواحهم اللّطيفة في اجسادهم الكثيفة فاذا نظر عبد الى نفسه لم ير روحه كما انّ لام الصّمد لا يتبيّن ولا يدخل في حاسة من حواسّه الخمس فاذا نظر الى الكتابة ظهر له ما خفي ولطف فمتى تفكّر العبد ماهيّة الباري وكيفيته له فيه وتحيّر ولم تحط فكرته بشيء يتصوّر له لأنّه عزّ وجلّ خالق الصّور فاذا نظر الى خلقه ثبت له انّه عزّ وجلّ خالقهم ومركّب ارواحهم في اجسادهم وامّا الصاد فدليل على انّه عزّ وجلّ صادق وقوله صدق وكلامه صدق ودعا عباده الى اتّباع الصدق بالصدق ووعد بالصدق دار الصدق وامّا الميم فدليل على ملكه وانّه الملك الحقّ لم يزل ولا يزال ولا يزول ملكه وامّا الدّال فدليل على دوام ملكه وانّه عزّ وجلّ دائم متعال عن الكون والزوال بل هو عزّ وجلّ مكوّن الكائنات الذي كان بتكوينه كلّ كائن ثم قال لو وجدت لعلمي الّذي اتاني الله عزّ وجلّ حملة لنشرت التوحيد والاسلام والايمان والدين والشرايع من الصمد وكيف لي بذلك ولم يجد جدّي امير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتّى كان يتنفّس الصّعداء ويقول على المنبر سلوني قبل ان تفقدوني فانّ بين الجوانح منّي علماً جمّا هاه هاها الا لا اجد من يحمله الا وانّي عليكم من الله الحجّة البالغة فلا تتولّوا قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفّار من اصحاب القبور ثم قال الباقر عليه السلام الحمد الله الذي منّ علينا ووفّقنا لعبادة الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً احد وجنّبنا عبادة الأوثان حمداً سرمداً وشكراً واصباً وقوله عزّ وجلّ لم يلد ولم يولد يقول لم يلد فيكون له ولد يرثه ملكه ولم يولد فيكون والد يشركه في ربوبيّته وملكه ولم يكن له كفواً احد فيعازه في سلطانه.
وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام انّه سأله رجل عن تفسير هذه السورة فقال هو الله احد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثاً هالكاً ولم يولد فيكون الهاً مشاركاً ولم يكن له من خلقه كفواً احد وفي نهج البلاغة لم يولد فيكون في العزّ مشاركاً.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام انّه سئل عن التوحيد فقال انّ الله عزّ وجلّ علم انّه يكون في آخر الزمان اقوام متعمّقون فأنزل الله قل هو الله احد والآيات من سورة الحديد الى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك.
وعن الرضا عليه السلام انّه سئل عن التّوحيد فقال كلّ من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد قيل كيف يقرؤها قال كما يقرؤها الناس وزاد فيها كذلك الله ربّي مرّتين.
وعن الباقر عليه السلام قل هو الله احد ثلث القرآن وفي الاكمال عن اميرالمؤمنين عليه السلام قال من قرأ قل هو الله احد مرّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرّتين فكأنّما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنّما قرأ القرآن كلّه.
وفي ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من مضى به يوم واحد فصلّى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيه بقل هو الله احد قيل له يا عبد الله لست من المصلّين.
وعنه عليه السلام من مضت له جمعة ولم يقرأ فيها بقل هو الله احد ثم مات مات على دين ابي لهب.