الصافي في تفسير كلام الله الوافي
{ (45) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا } من صاحبي السّجن وهو الشّرابيّ { وَادَّكَرَ بَعْدَ
أُمَّةٍ } وتذكر يوسف بعد جماعة من الزّمان مجتمعة أي مدّة طويلة.
والقميّ عن أمير المؤمنين عليه السلام أي بعد وقت { أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ
فَأَرْسِلُونِ } أي إلى من عنده علمه.
{ (46) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ } أي فأرسلوه إلى يوسف فأتاه وقال له يا يوسف
أيّها الصّدّيق أيّها البليغ في الصّدق وإنّما قاله لأنّه جرّب أحواله وعرف صدقه في تأويل
رؤياه ورؤيا صاحبه { أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ
سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ } أي في رؤيا ذلك { لَعَلِّي أَرْجِعُ إلَى النَّاسِ } أعود إلى الملك
ومن عنده { لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } تأويلها أو مكانك وفضلك.
{ (47) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً } أي على عادتكم المستمّرة وقرىء بسكون
الهمزة { فَمَا حَصَدْتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ } لئلاّ تأكله السّوس نصيحة خارجة عن التّعبير { إِلاَّ
قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ } في تلك السنين.
{ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ } أي يأكل
أهلهنّ ما ادّخرتم لأجلهنّ فاسند إليهنّ على المجاز تطبيقاً بين المعّبر والمعّبر به.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام أنّه قرأ ما قّربتم لهنّ والقميّ عنه عليه
السلام إنّما أنزل ما قّربتم لهنّ { إلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ } تحرزون لبذور الزراعة.
{ (49) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ } يمطرون من الغيث أو
يغاثون من القحط من الغوث { وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } ما يعصر من الثمار والزروع وقرىء بالتاء
والياءِ على البناء للمفعول أي يمطرون أو ينجون من عصره إذا أنجاه.
وفي المجمع والعياشي نسب هذه القراءة إلى الصادق عليه السلام.
وزاد العياشي أنّه قال أما سمعت قوله تعالى { { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } [النبأ: 14].
والقميّ عنه عليه السلام قَرأ رجل على أمير المؤمين عليه السلام ثمّ يأتي من
بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناء للفاعل فقال ويحك وأيّ
شيء يعصرون يعصرون الخمر قال الرّجل يا أميرَ المؤمنين كيف أقرؤها فقال إنّما أنزلت
عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون يعني على البناءِ للمفعول أي يمطرون بعد المجاعة
والدّليل على ذلك قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجاً.
{ (50) وَقَالَ المَلِكُ ائْتُونِى بِهِ } بعدما جاءه الرّسُول بالتعبير { فَلَمَّا جَآءَهُُ الرَّسُولُ }
ليخرجه { قَالَ ارْجعْ إلى رَبِّكَ } العياشي مضمراً يعني العزيز { فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ
اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ } تأنّى في اجابة الملك وقدم سؤال النسوة وفحص حاله ليظهر
براءة ساحته ويعلم أنّه سجن ظلماً ولم يتعرض لامرأة العزيز مع ما صنعت به كرماً
ومراعاة للأدب.
في المجمع "عن النّبيّ صلىَّ الله عليه وآله وسلم لقد عجبت من يوسف وكرمه
وصبره والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسّمان ولو كنت مكانه ما أخبرتهم
حتى اشترط أن يخرجوني مِن السِّجْن ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له
حين أتاه الرسول فقال ارجع إلى رَبّك ولو كنت مكانه ولبثت في السّجن ما لبث
لأسرعت الإجابة وبادرتهم الباب وما ابتغيت العذر إنه كان لحليماً ذا أناة" .
والعياشي عنهما عليهما السلام "إنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم قال لو
كنت بمنزلة يوسف حين أرسل إليه الملك يسأله عن رؤياه ما حدّثته حتى اشترط عليه
أن يخرجني من السّجن وتعجّبت لصبره عن شأن امرأة الملك حتى أظهر الله عذره" { إِنَّ
رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } استشهد بعلم الله عليه وعلى أنّه بريء مما قذفته به.
{ (51) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ } قال الملك ما شأنكن { إِذْ رَاوَدتُنَّ يُوسُفَ عَن نَفْسِهِ
قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ } تعجبّاً من عفّته ونزاهته عن الريبة [الزّنية خ ل] ومن قدرة الله على خلق
عفيف مثله وقرىء حاشا { مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ } من ذنب { قَالَتِ امْرَأتُ الْعَزِيزِ الآنَ
حَصْحَصَ الْحَقُّ } ثبت واستقّر من حَصحص البعير إذا القى ثفناته ليناخ أو ظهر من
حصّ شعره إذا استأصله بحيث ظهر بشرة رأسه { أَنَا رَاوَدْتُّهُ عَن نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ
الصَّادِقِينَ } في قوله هي راودتني عن نفسي ولا مزيد على شهادة الخصم بأنّ صاحبه على
الحق وهو على الباطل.