التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ
٣٢
أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ
٣٣
لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ
٣٤
مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ
٣٥
وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ
٣٦
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ
٣٧
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ
٣٨
-الرعد

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (32) وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أخَذْتُهُمْ } تسلية لرسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم ووعيد للمستهزئين به والمقترحين عليه والاملاء أن يترك ملأة من الزمان في أمن ودعة.
والقميّ أي طوّلت لهم الأمل ثم أهلكتهم { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ } عقابي إيّاهم.
{ (33) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ } رقيب عليه حافظ { بِمَا كَسَبَتْ } من خير وشرّ فلا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم كمن ليس كذلك { وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ } من هم أو صفوهم فانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ } بل اتنبؤنه { بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ } بشركاء لا يعلمهم في الأرض وهو العالم بما في السموات والأرض فاذا لم يعلمهم فانّهم ليسوا بشيء يتعلق به العلم والمراد نفي أن يكون له شركاء { أَمْ بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ } أم تسمّونهم شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة واعتبار كتسمية الزّنجيّ كافوراً وهذه الأساليب.
في الاحتجاج ينادى بلسان فصيح أنّها ليست من كلام البشر { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ } تمويههم فتخيّلوا أباطيل ثم خالوها { وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ } سبيل الحق وقرىء بفتح الصاد { وَمَن يُضْلِلِ اللهُ } يخذله { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يوفقه للهدى.
{ (34) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } بالقتل والأسر وسائر المصائب { وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ } لشدته ودوامه { وَمَا لَهُم مِّنَ اللهِ مِن وَاقٍ } من دافع.
{ (35) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ } صفتها التي هي مثل في الغرابة { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ } لا مقطوعة ولا ممنوعة { وَظِلُّهَا } كذلك { تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }.
{ (36) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْك }.
القميّ عن الباقر عليه السلام أي يفرحون بكتاب الله إذا يتلى عليه واذا تلوه تفيض أعينهم دمعاً من الفزع والحُزن { وَمِنَ الأَحْزَابِ } وممن تحزّب على رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم بالعداوة { مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ } وهو ما يخالف شرائعهم { قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أنْ أعْبُدَ اللهَ وَلاَ أُشْرِكَ بِهِ } فانكاركم انكار لعبادة الله وتوحيده { إِلَيْهِ أَدْعُوا } لا إلى غيره { وَإِلَيْهِ مَآبِ } واليه مرجعي لا إلى غيره قيلَ يعني هذا هو المتفق عليه بين الأنبياء فأمّا ما عدا ذلك من التفاريع فما يختلف بالعصور والأمم فلا معنى لانكاركم المخالفة فيه وأنتم تقولون مثل ذلك.
{ (37) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ } ومثل هذا الانزال أنزلناه مأموراً فيه بعبادة الله وتوحيده والدّعوة إليه وإلى دينه { حُكْماً عَرَبِيّاً } حكمة عربية مترجمة بلسان العرب { وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْوَاءَهُم } في أمور يدعونك إلى أن توافقهم عليها { بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ } بنسخ ذلك { مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَليٍّ } ينصرك { وَلاَ وَاقٍ } يمنع العقاب عنك وهو حسم لأطماعهم وتهييج للمؤمنين على الثبات في دينهم.
{ (38) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ } بشراً مثلك { وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً } نساءً وأولاداً كما هي لك.
في الجوامع كانوا يعيرون رسول الله بكثرة تزوّج النساءِ فقيل إنّ الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرّيّة.
العياشي عن الصادق عليه السلام فما كانَ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم إلاّ كأحد أولئك جعل الله له أزواجاً وجعل له ذرّيّة لم يسلم مَعَ أَحَد الأنبياء من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اهل بيته أكرم الله بذلك رسوله وفي رواية اخرى فنحن ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ } وما صحّ له ولم يكن في وسعِهِ { أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ } يقترح عليه وحكم يلتمس منه { إَلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ } فانّه القادر على ذلكَ { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ } لكلّ وقت حكم يكتب على العِبادِ ولهم ما يقتضيه صلاحهم.