التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ ٱلضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً
٥٦
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً
٥٧
وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٥٨
وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً
٥٩
وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً
٦٠
-الإسراء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (56) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم } أنّها آلهة { مِّن دُونِهِ } كالملائكة والمسيح وعزير { فَلاَ يَمْلِكُونَ } فلا يستطيعون { كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ } كالمرض والفقرِ والقحط { وَلاَ تَحْوِيلاً } ولا تحويل ذلك منكم إلى غيركم.
{ (57) أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } هؤلاءِ الآلهة يبتغون إلى الله القربة بالطاعة { أيُّهُمْ أقْرَبُ } أي يبتغي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } كسائر العباد فكيف يزعمون أنّهم آلهة { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً } حقيقاً بأن يحذره كلّ أحد حتى الملائكة والرسل.
{ (58) وَإن مِّن قَرْيَةٍ إلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ } في اللوح المحفوظ { مَسْطُوراً } مكتوباً.
في الفقيه عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال هو الفناء بالموت.
والعياشي عن الباقر عليه السلام إنّما أمّة محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم من الأممِ فمن مات فقد هلك.
وعن الصادق عليه السلام قال بالقتل والموت وغيره.
{ (59) وَمَا مَنَعَنَا أن نُرْسِلَ بِالآيَاتِ } التي اقترحتها قريش { إِلاَّ أن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ } الاّ تكذيب الأوّلين الذين هم أمثالهم كعاد وثمود وأنها لو أرسلت لكذّبوا بها كما كذّب أولئكَ واستوجبوا العذاب العاجل المستأصل ومن حكمه سبحانه في هذه الأمّة أن لا يعذّبهم بعذاب الإِستيصال تشريفاً لنبيّه صلىَّ الله عليه وآله وسلم كما قال وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم.
القميّ عن الباقر عليه السلام أنّ محمّداً صلىَّ الله عليه وآله وسلم سأله قومه أن يأتيهم بآية فنزل جبرئيل وقال إنّ الله يقول وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وكنا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم فلذلك أخّرنا عن قومك الآيات { وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ } بسؤالهم { مُبْصِرَةً } آية بيّنة { فَظَلَمُوا بِهَا } فظلموا أنفسهم بسبب عقرها { وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إلاَّ تَخْوِيفاً } وانذاراً بعذاب الآخرة فان أمر مَنْ بُعِثتَ إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة.
{ (60) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ } أوحينا إليك { إِنَّ رَبَّكَ أحَاطَ بِالنَّاسِ } فهم في قبضة قدرته وقيل يعني بقريش أي أهلكهم من أحاط بهم العدّو أي أهلكهم يعني بشرناك بوقعة بدر ونصرتك عليهم وهو قوله
{ سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45] سيغلبون ويحشرون إلى جهنّم فجعله سبحانه كأنه قد كان على عادته في أخباره { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ } عطف على الرّؤيا { وَنُخَوِّفُهُمْ } بأنواع التخويف { فَمَا يَزِيدُهُمْ إلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } إلاّ عتوّاً متجاوزاً عن الحد.
العياشي عن الباقر عليه السلام أنّه سئل عن قوله تعالى وما جعلنا الرّؤيا التي أريناكَ فقال إنّ رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم رأى أنّ رجالاً من بني تيم وَعديّ على المنابر يردّون الناس عن الصراط القهقرى قيل وَالشّجرة الملعونة قال هم بنو أميّة.
وعن الصادق عليه السلام مثله إلاّ أنّه قال رأى أنّ رجالاً على المنابر يردّون الناس ضلالاً زريق وزفر.
أقول: وهما كنايتان عن الأوّلين وتيم وعدي جدّاهما قال.
وفي رواية اخرى عنه عليه السلام انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد رأى رجالاً من نار عل منابر من نار يردّون الناس على اعقابهم القهقرى قال ولسنا نسمّي احداً وفي اخرى انّا لا نسمّي الرجال ولكن رسول الله صلّى الله عليه وآله رأى قوماً على منبره يضلّون الناس بعده عن الصراط القهقرى، وفي رواية اخرى قال رأيت الليلة صبيان بني امية يرقون على منبري هذا فقلت يا ربّ معي فقال لا ولكن بعدك، وفي الكافي عن احدهما عليهما السلام اصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله يوماً كئيباً حزيناً فقال له عليّ عليه السلام ما لي اراك يا رسول الله كئيباً حزيناً فقال وكيف لا اكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني اميّة يصعدون منبري هذا يردّون الناس عن الاسلام القهقرى فقلت يا رب في حياتي أو بعد موتي فقال بعد موتك.
أقول: معنى هذا الخبر مستفيض بين الخاصة العامة الاّ انّ العامة رووا تارة انّه رأى قوماً من بني امّية يرقون منبره وينزون عليه نزو القردة فقال هو حظّهم من الدنيا يعطونه باسلامهم واخرى ان قروداً تصعد منبره وتنزل فساءه ذلك واغتمّ به.
والقمّي قال نزلت لمّا رأى النبيّ صلّى الله عليه وآله في نومه كأنّ قروداً تصعد منبره فساءه ذلك وغمّه غمّاً شديداً فأنزل الله وما جعلنا الرّؤيا الّتي اريناك الاّ فتنة ليعمهوا او الشجرة الملعونة كذا نزلت وهم بنو اميّة، والعيّاشي عن الباقر عليه السلام وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الاّ فتنة لهم ليعمهوا فيها والشجرة الملعونة في القرآن يعني بني اميّة ومضمراً انّه سئل عن هذه الآية فقال انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله نام فرأى ان بني اميّة يصعدون منبره يصدّون الناس كلّما صعد منهم رجل رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله الذلّة والمسكنة فاستيقظ جزوعاً من ذلك فكان الذين رآهم اثني عشر رجلاً من بني اميّة فأتاه جبرئيل بهذه الآية ثم قال جبرئيل انّ بني اميّة لا يملكون شيئاً الاّ ملك اهل البيت ضعفيه.
وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث قال انّ معاوية وابنه سيليانها بعد عثمان ثم يليها سبعة من ولد الحكم بن ابي العاص واحداً بعد واحد يكمّله اثني عشر امام ضلالة وهم الذين رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله على منبره يردّون الامّة على ادبارهم القهقرى عشرة منهم من بني اميّة ورجلان اسّسا ذلك لهم وعليهما اوزار هذه الامة الى يوم القيامة وفي مقدمة الصحيفة السجادية عن الصادق عن ابيه عن جدّه ان رسول الله صلّى الله عليه وآله اخذته نعسة وهو على منبره فرأى في منامه رجالاً ينزون على منبره نزو القردة يردّون الناس على اعقابهم القهقرى فاستوى رسول الله صلّى الله عليه وآله جالساً والحزن يعرف وجهه فاتاه جبرئيل بهذه الآية وما جَعَلنَا الرّؤْيا التي اريناك الآية يعني بني اميّة قال يا جبرئيل اعلى عهدي يكونون وفي زمني قال لا ولكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشراً ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمساً ثم لا بدّ من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها ثمّ ملك الفراعنة قال وانزل الله في ذلك انّا انزلناه في ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر تملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر قال فاطلع الله نبيّه انّ بني اميّة تملك سلطان هذه الامة وملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله بزوال ملكهم وهم بذلك مستشعرون عداوتنا اهل البيت وبغضنا اخبر الله نبيّه بما يلقى اهل بيت محمد صلّى الله عليه وآله واهل مودّتهم وشيعتهم منهم في ايّامهم وملكهم.
أقول ُ: وانّما اُرِيَ صلىَّ الله عليه وآله وسلم ردّ الناس عن الاسلام القهقرى لأنّ الناس كانوا يظهرون الاسلام وكانوا يصلّون إلى القبلة ومع هذا كانوا يخرجون من الاسلامِ شيئاً فشيئاً كالذي يرتدّ عن الصراط السّويّ القهقرى ويكون وجهه إلى الحق حتى إذا بلغ غاية سعيه رأى نفسه في الجحيم.
وفي الاحتجاج عن الحسن بن عَليّ عليهما السلام في حديث أنه قال لمروان بن الحكم أمّا أنت يا مروان فلست أَنَا سَبَبْتُكَ ولا سَبَبْت أباك ولكن الله عزّ وجلّ لعنك ولعَنَ أباك وأهل بيتك وذرّيّتك وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة عل لسان نبيّه محمّد صلىَّ الله عليه وآله وسلم وَاللهَ يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممّن حضر هذه اللعنه من رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم لك ولأبيك من قبلكَ وما زادك الله يا مروان بما خوّفك إلاّ طغياناً كبيراً وصدق الله وصدق رسوله بقول الله تعالى والشّجَرة الملعونة في القرآن وخوّفهم فما يزيدهم إلاّ طغياناً كبيراً وأنت يا مروان وذّريّتك الشجرة الملعونة في القرآن عن رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلم وعن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وجعل أهل الكتاب القائمينَ به والعاملين بظاهره وباطنه من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماءِ تؤتي أكلها كلّ حين بإذن رَبّها أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ ان يُتمّ نوره ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه.
أقولُ: وفي قوله سبحانه فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً لطافة لا تخفى.