التفاسير

< >
عرض

وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ لَوِ ٱطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
١٨
وَكَذٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَم لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَٱبْعَثُواْ أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَـٰذِهِ إِلَىٰ ٱلْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أَزْكَىٰ طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً
١٩
إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوۤاْ إِذاً أَبَداً
٢٠
وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوۤاْ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لاَ رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُواْ ٱبْنُواْ عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَّسْجِداً
٢١
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِٱلْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظَاهِراً وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً
٢٢
-الكهف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (18) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } القمّي عن الباقر عليه السلام ترى اَعينهم مفتوحة { وَهُمْ رُقُودٌ } نيام { وَنُقَلِّبُهُمْ } في رقدتهم { ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمالِ } في كلّ عام مرّتين كما سبق كي لا تأكل الأرض ما يليها من ابدانهم على طول الزّمان { وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ } بالفناء وقد سبق حَديث الكلب { لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } لهربت منهم { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } خوفاً يملأ صَدرك وقرء لمُلّئت بالتَّشديد ورُعَّباً بالتثقيل قيل وذلك لما البسهم الله من الهيبة
العيّاشي عن الباقر عليه السلام انّ ذلك لم يعن به النّبي انّما عني به المؤمنون بعضهم لبعض لكنه حالهم الّتي هم عليها.
{ (19) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ } وكما انمناهم آية بعثناهم آية على كمال قدرتنا { لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ } ليسأل بعضهم بعضاً فيتعرّفوا حالهم وما صنع الله بهم فيزدادوا يقيناً الى يقينهم ويستبصروا به على امر البَعث { قَالَ قَائلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوّمٍ } بناء على غالب ظنّهم المستفاد من النّوم المعتاد { قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } قيل قالوا ذلك لما رأوا من طول اظفارهم وشعورهم ثمّ لمّا علموا انّ الامر ملتبس لا طريق لهم الى العلم به اخذوا فيما يهمّهم وقالوا { فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ } قرء بسكون الراء { إِلَى الْمَدِينَةِ } والورق الفضّة { فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً } القمّي يقول ايّها اطيب طعاماً
وفي المحاسن عنهما عليهما السّلام ازكى طعاماً التّمر.
أقول: ويستفاد منه انّ البارز في ايّها راجع الى الاطعمة دون المدينة المراد بها اهلها كما فهمه الجمهور { فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ } وليتكلّف اللّطف في التخفّي والتنكّر حتّى لا يعرف كما سبق في حديث القمّي ويفسّره قوله { وَلاَ يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً }.
{ (20) إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } ان يظفروا بكم يعني أَهل المدينة { يَرْجُمُوكُمْ } يقتلوكم بالرّجم وهي اخبث قتلة { أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ } ويصيّروكم اليها كرهاً { ولَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً } ان دخلتم في ملّتهم.
{ (21) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } وكما انمناهم بعثناهم ليزداد بصيرتهم اطلعنا عليهم اهل مدينتهم
القمّي وهم الّذين ذهبوا الى باب الكهف { لِيَعْلَمُوا } ليعلم الّذين اطلعناهم على حالهم { أَنَّ وَعْدَ اللهِ } بالبَعْث { حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ } لآتِيةٌ { لاَ رَيْبَ فِيهَا } بأنّها كائنة لأنّ حالهم في نومهم وانتباههم كحال من يموت ويبعث.
وفي الحديث النّبوي
"كما تنامون تستيقظون وكم تموتون تبعثون" .
وفي حديث آخر "النّوم أخ الموت" .
وفي الاحتجاج عن الصّادق عليه السلام في حديث قد رجع الى الدّنيا ممّن مات خلق كثير منهم اصحاب الكهف اماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة ثمّ بعثهم في زمان قوم انكروا البعث ليقطع حجّتهم وليريهم قدرته وليعلموا انّ البعث حقّ { إِذْ يَتَنَازَعُونَ } أَعثرنا عليهم حين يتنازعون { بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ } امر دينهم وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجرّدة وبعضهم يقول تبعثان معاً ليرتفع الخلاف ويتبيّن انّهما تبعثان معاً كذا قيل وكان في حديث الاحتجاج إيماء الى ذلك وقيل امرهم اي امر الفتية حين توفّاهم ثانياً وكان بعضهم يقول ماتوا وبعضهم يقول ناموا كنومهم اوّل مرّة وقد سبق في حديث القمّي وكيف كان { فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً } حين توفّاهم ثانياً { رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ } اعتراض { قَالَ الَّذِين غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ } من المسلمين وملكهم { لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَسْجِداً } يصلّي فيه المسلمون ويتبرّكون بمكانهم.
{ (22) سَيَقُولُونَ ثَلاَثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ } يعني اهل المدينة وملكهم كما سبق في حديث القمّي.
وقيل بل يعني بهم الخائضين في قصّتهم في عهد نبيّنا صلّى الله عليه وآله من اهل الكتاب والمؤمنين { وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ } يرمون رمياً بالخبر الخفيّ.
والقمّي ظنّاً بالغيب ما يستفتونهم { وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَليِلٌ } روت العامّة عن عليّ عليه السلام وهم سبعة وثامنهم كلبهم ويدلّ عليه من طريق الخاصّة ما روي في روضة الواعظين عن الصادق عليه السلام انّه يخرج مع القائم من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلاً خمسة عشر من قوم موسى الّذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون وسبعة من اَهل الكَهف ويُوشع بن نون وسَلمان وابو دجانة الأَنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يدَيه انصاراً وحكّاماً { فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاّ مِرَاءً ظَاهِراً } فلا تجادل اهل الكتاب في شأن الفتية الاّ جدالاً ظاهراً غير متعمّق فيه وهو أن تقصّ عليهم بما اوحى اليك من غير تجهيل لهُمْ والردّ عليهم { وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِم مِنْهُمْ أَحَداً }
القمّي يعني يقول حسبك ما قَصصنا عليك من امرهم ولا تسأل احداً من اهل الكتاب عنهم.