التفاسير

< >
عرض

يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً
٦
يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً
٧
قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً
٨
قَالَ كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً
٩
قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً
١٠
فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيّاً
١١
يٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيّاً
١٢
وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً
١٣
وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً
١٤
-مريم

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (6) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ } وقرىء بالجزم.
وفي المجمع عن السجّاد والباقر عليهما السّلام انّهما قرءا يرثني وأرث من آل يعقوب { وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً } ترضاه قولاً وعملاً.
القمّي لم يكن يومئذ لزكريّا ولد يقوم مقامه ويرثه وكانت هدايا بني اسرائيل ونذورهم للاحبار وكان زكريّا رئيس الاحبار وكانت امرأة زكريا اخت مريم بنت عمران ابن ماتان ويعقوب بن ماتان وبنو ماتان اذ ذاك رؤساء بني اسرائيل وبنو ملوكهم وهم من ولد سليمان بن داود.
{ (7) يَا زَكَريّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى } جواب لندائه ووعد باجابة دعائة وانّما تولّى تسميته تشريفاً له { لَمْ نَجْعَل لَهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }
القميّ يقول لم يسمّ باسم يحيى احد قبله
{ (8) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً } من عتا الشّيخ يعتو اذا كبر واسنّ واصله عتوّا وانّما استعجب الولد من شيخ فانٍ وعجوز عاقر اعترافاً بأنّ المؤثّر فيه كمال قدرته وانّ الوسائط عند التّحقيق ملغاة.
في الكافي عنهم عليهم السلام فيما وعظ الله به عيسى (ع) ونظيرك يحيى من خلقي وهبته لاُمّه بعد الكبر من غير قوّة بها اردت بذلك ان يظهر لها سُلطاني وتظهر فيك قدرتي.
{ (9) قَالَ } اي الله او الملك المبشّر { كَذَلِكَ } اي الامر كذلك او هو منصوب بقال في { قَالَ رَبُّكَ } وذلك اشارة الى مبهم يفسّره { هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } بل كنت معدوماً صرفاً
{ (10) قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً } علامة اعلم بها وقوع ما بشّرتني به { قَالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيّاً } سوّى الخلق ما بك من خرس ولا بكم وفي سورة آل عمران ثلاثة ايّام وفيه دلالة على انه تجرّد للذّكر والشكر ثلاثة ايّام بلياليهنّ.
{ (11) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ } من المصلّى او من الغرفة { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } فأومى اليهم لقوله الاّ رمزاً { أَن سَبِّحُوا } صلّوا او نزّهوا ربّكم { بُكْرَةً وَعَشِيّاً } طرفي النّهار ولعلّه كان مأموراً بأن يسبّح ويأمر قومه بأن يوافقوه.
{ (12) يَا يَحْيَى } على تقدير القول { خُذِ الْكِتَابَ } التّوراة { بِقُوَّةٍ } بجدّ واستظهار بالتوفيق { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }
في الكافي عن الباقر عليه السلام مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبيّ صغير ثم تلا هذه الآية وعن الجواد عليه السلام انّ الله احتج في الامامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال { وآتَيْنَاهُ الحُكم صبيّاً }
وفي المجمع عن الرضا عليه السلام انّ الصبيان قالوا ليحيى (ع) اذهب بنا نلعب فقال ما للّعب خُلِقْنا قال الله تعالى { وآتَيْناهُ الحُكم صَبيّاً }.
{ (13) وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا } ورحمة منّا عليه وتعطّفاً.
في الكافي عن الباقر عليه السلام انّه سئل ما عنى بقوله في يحيى { وَحَنَاناً مِّن لَدُنّا } قال تحنّن الله سئل فما بلغ من تحنّن الله عليه قال كان اذا قال يا ربّ قال الله عّز وجلّ لبّيك يا يَحيى.
وفي المجمع ما في معناه وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام في هذه الآية انّه كان اذا قال في دعائه يا ربّ يا الله ناداه الله من السّماء لبّيك يا يحيى سل ما حاجتك { وَزَكَاةً } وطهارة { وَكَانَ تَقِيّاً }.
{ (14) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً }.
في تفسير الإِمام عليه السلام في سُورة البقرة عند تفسير قوله تعالى
{ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ } [البقرة: 282] ما الحق الله صبيّاً برجال كاملي العُقول الاّ هؤلاء الأربعة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا والحسن والحسين عليهما وعليهم السلام ثم ذكر قصّتهم وذكر في قصّة يحيى قوله تعالى { وآتَيْناهُ الحُكْمَ صبيّاً } قال ومن ذلك الحكم انّه كان صبيّاً فقال له الصّبيان هلمّ نلعب قال والله ما للّعب خلقنَا وانّما خلقنا للجد لأمر عظيم ثم قال وحناناً من لدنّا يعني تحنّناً ورحمة على والديه وساير عبادنا وزكوة يعني طهارة لمن آمن به وصدّقه وكان تقيّاً يتّقي الشّرور والمعاصي وبرّاً بوالديه محسناً اليهما مطيعاً لهما ولم يكن جبّاراً عصيّاً يقتل على الغضب ويضرب على الغضب لكنّه ما من عبد لله تعالى الا وقد اخطأ وهمّ بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريّا فلم يذنب ولم يهمّ بذنب.