التفاسير

< >
عرض

فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يٰلَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَـٰذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً
٢٣
فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَآ أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً
٢٤
وَهُزِّىۤ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً
٢٥
فَكُلِي وَٱشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَداً فَقُولِيۤ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَـٰنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ ٱلْيَوْمَ إِنسِيّاً
٢٦
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُواْ يٰمَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً
٢٧
يٰأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً
٢٨
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيّاً
٢٩
-مريم

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (23) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ } فاجائها المخاض وهو في الاصل من جاء لكنّه خصّ في الاستعمال كأتى في اعطى ومخضت المرأة اذا تحرّك الولد في بطنها للخروج { إِلَى جذْعِ النَّخْلَةِ } لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة وهو ما بين العرق والغصن { قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ } وقرىء بضم الميم { قَبْلَ هَذا }استحياء من الناس ومخافة لومهم.
في المجمع عن الصادق عليه السلام لأنها لم تر في قومها رشيداً ذا فراسة ينزّهها من السوء { وَكُنتُ نَسْياً } ما من شأنه ان ينسى ولا يطلب وقرىء بالفتح وهو لغة فيه او مصدر رسميّ به { مَنسِيّاً } منسّى الذكر بحيث لا يخطر ببالهم.
{ (24) فَنَادَاها مِن تَحْتِهَا } عيسى (ع) أو جبرئيل وقرىء مِن بالكسر { أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } جدولاً كذا في الجوامع عن النبي صلّى الله عليه وآله.
(25) وفي المجمع عن الباقر عليه السلام ضرب عيسى برجليه فظهر عين ماء يجري { وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ } واميليه اليك { تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً } طريّاً وقرىء بتخفيف السّين وبضم التاء معه وكسر القاف.
القمّي وكان ذلك اليوم سوق فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة انبل صناعة في ذلك الزّمان فأقبلوا على بغال شهب فقالت لهم مريم اين النخلة اليابسة فاستهزءوا بها وزجروها فقالت لهم جعل الله كسبكم نزراً وجعلكم في النّاس عاراً ثم استقبلها قوم من التّجار فدلّوها على النخلة اليابسة فقالت لهم جعل الله البركة في كسبكم واحوج النّاس اليكم فلمّا بلغت النّخلة اخذها المخاض فوضعت بعيسىعليه السلام فلمّا نظرت اليه قالت يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنتُ نَسْياً مَنسِيّاً ماذا اقول لخالي وماذا اقول لبني اسرائيل فناداها عيسى مِن تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سريّا اي نهراً وهزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخلة اي حرّكي النّخلة تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنيّاً اي طريّا وكانت النّخلة قد يبست منذ دهرٍ فمدّت يديها الى النّخلة فاورقت واثمرت وسقط عليها الرّطب الطري فطابت نفسها فقال لها عيسى (ع) قمّطيني وسوّيني ثم افعلي كذا وكذا فقمّطته وسوّته.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انّه كان يتخلّل بساتين الكوفة فانتهى الى نخلة فتوضأ عندها ثم ركع وسجد فاُحصِيَت في سجوده خمس مئة تسبيحة ثم استند إلى النخلة فدعا بدعوات ثم قال انّها النخلة التي قال الله جلّ ذكره لمريم { وهُزّي إِليك } الآية.
{ (26) فَكُلِي وَاشْرَبِي } من الرّطب وماء السّريّ { وَقَرِّي عَيْناً } وطيبي نفسك وارفضي عنها ما احزنك { فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً } صمتاً.
القميّ وقال لها عيسى (ع) كُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً وصمتاً كذا نزلت.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انّ الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ثم قال قالت مريم إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً اي صمتاً فاذا صمتم فاحفظوا السنتكم وغضوا ابصاركم الحديث { فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } ولعله لكراهة المجادلة والإِكتفاء بكلام عيسى (ع) فانّه قاطع في قطع الطّاعن.
{ (27) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً } بديعاً منكراً
القمّي ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها وخرج خالها زكريّا فأقبلت وهو في صدرها واقبلن مؤمنات بني اسرئيل يبزقن في وجهها فلم تكلّمهنّ حتّى دخلت في محرابها فجاء اليها بنو اسرائيل وزكريا فقالوا لها يا مريم لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً.
{ (28) يَا أُخْتَ هاَرُونَ }
في المجمع عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً الى النبي صلّى الله عليه وآله انّ هارون كان رجلاً صالحاً في بني اسرائيل ينسب اليه كلّ من عرف بالصلاح.
وفي سعد السّعود لابن طاوس (ره) عنه عليه السلام مرفوعاً انّ النبي صلّى الله عليه وآله بعثه الى نجران فقالوا اَلستم تقرءون يا اخت هارون وبينهما كذا وكذا فذكر ذلك للنّبي صلّى الله عليه وآله فقال الا قلت انّهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين منهم.
والقمّي انّ هارون كان رجلاً فاسقاً زانياً فشبّهوها به { مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }.
{ (29) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ } الى عيسى (ع) اي كلّموه ليجيبكم { قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }