التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ ٱللَّهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاۤ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٧٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١٧٤
أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ وَٱلْعَذَابَ بِٱلْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ
١٧٥
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
١٧٦
لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلْبَأْسِ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ
١٧٧
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (173) إِنّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ } التي ماتت حتف أنفها بلا ذباحة من حيث اذن الله { وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ } ما ذكر اسم غير الله عليه من الذبائح وهي التي تتقرب بها الكفّار بأسامي أندادهم التي اتخذوها من دون الله { فَمَنْ اضْطُرَّ } إلى شيء من هذه المحرّمات { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } وهو غير باغ عند الضرورة على إمام هدى ولا معتد قوّال بالباطل في نبوة من ليس بنبي وإمامة من ليس بإمام.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام الباغي الذي يخرج على الإمام والعادي الذي يقطع الطريق لا تحل لهما الميتة.
والعياشي عنه عليه السلام ما في معناه وفي رواية الباغي الظالم والعادي الغاصب.
وفي التهذيب والعياشي عنه عليه السلام الباغي باغي الصيد والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين.
وفيه وفي الفقيه عن الجواد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام
"سئل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقيل له إنّا نكون بأرض عراق فتصيبنا المخمصة فمتى تحل لنا الميتة قال ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتقبوا بقلاً فشأنكم بهذا" ، قال عبد العظيم فقلت له يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله فما معنى قول الله عز وجل: { فمن اضطر غير باغ ولا عاد } فقال العادي السارق والباغي الذي يبغي الصيد بطراً ولهواً لا ليعود به على عياله ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا هي حرام عليهما في حال الاضطرار كما هي حرام عليهما في حال الاختيار وليس لهما أن يقصّرا في صوم ولا صلاة في سفر، الحديث.
{ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ } في تناول هذه الأشياء { إنَّ الله غَفُورٌ } ستار لعيوبكم { رَحِيمٌ } بكم حين أباح لكم في الضرورة ما حرمه لكم في الرخاء.
في الفقيه عن الصادق عليه السلام من اضطر إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئاً من ذلك حتى يموت فهو كافر.
{ (174) إنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } عرضاً من الدنيا يسيراً وينالون به في الدنيا عند الجهّال رئاسة { أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ } قيل أي ملء بطونهم يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه وفي الحديث كلوا في بعض بطنكم تعفوا { إِلاَّ النَّارَ } بدلاً من إصابتهم اليسير من الدنيا لكتمانهم الحق { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بكلام خير بل يلعنهم ويخزيهم وقيل هو كناية عن غضبه تعالى عليهم وتعريض لحرمانهم عن الزلفى من الله { وَلاَ يُزَكِّيِهمْ } من ذنوبهم قيل ولا يثني عليهم { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } موجع في النار.
{ (175) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى } في الدنيا { وَالْعّذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ } في الآخرة بكتمان الحق للأغراض الدنيوية { فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ } ما أجرأهم على عمل يوجب عليهم عذاب النار.
وفي الكافي والعياشي ما أصبرهم على فعل ما يعلمون انه يصيّرهم إلى النار.
وفي المجمع ما أعملهم بأعمال أهل النار.
والقمّي ما أجرأهم على النار كلها عن الصادق عليه السلام.
{ (176) ذَلِكَ } العذاب { بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ } أي ما يوعدون به يصيبهم ولا يخطيهم وقيل نزل بالحق فرفضوا بالتكذيب والكتمان { وَإنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ } بأن قال بعضهم سحر وقال آخر إنه شعر وقال آخر انه كهانة إلىغير ذلك { لَفِي شِقَاقٍ } خلاف { بَعِيدٍ } عن الحق كان الحق في شق وهم في شق غيره يخالفه.
{ (177) لَيْسَ الْبِرُّ } الفعل المرضي وقرئ بالنصب { أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ } إلى الكعبة قيل ردّ على الذين أكثروا الخوض في أمر القبلة من أهل الكتاب حين حوّلت إلىالكعبة مدّعياً كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلتها والمشرق قبلة النصارى والمغرب قبلة اليهود.
وفي تفسير الإمام عن السجاد عليه السلام قالت اليهود قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة اليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها وقالت النصارى قد صلينا على قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها وقال كل واحد من الفريقين أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلاتنا إلى قبلتنا لأنّا لا نتّبع محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم على هواه في نفسه وأخيه فأنزل الله يا محمد قل ليس البر الطاعة التي تنالون بها الجنان وتستحقون بها الغفران والرضوان ان تولوا وجوهكم بصلواتكم قبل المشرق يا أيها النصارى وقبل المغرب يا ايها اليهود وأنتم لأمر الله مخالفون وعلى ولي الله مغتاظون { وَلَكِنَّ الْبِرَّ } قرئ بتخفيف لكن ورفع البر { مَنْ آمَنَ } قيل يعني البر الذي ينبغي أن يهتم به بر من آمن { بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنّبِيّينَ وآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ } أعطى في الله تعالى المستحقين من المؤمنين على حبه للمال وشدة حاجته إليه يأمل الحياة ويخشى الفقر لأنه صحيح شحيح { ذَوِي الْقُرْبَى } أعطى قرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم الفقراء هدية وبرّاً لا صدقة لأن الله أجلّهم عن الصدقة وأعطى قرابة قرابة نفسه صدقة وبرّاً { وَالْيَتَامَى } من بني هاشم الفقراء برّاً لا صدقة ويتامى غيرهم صدقة وصلة { وَالْمَسَاكِينَ } مساكين الناس { وَابْنَ السّبِيلِ } المجتاز المنقطع به لا نفقة معه { وَالسّائِلِينَ } الذين يتكفّفون { وَفِي الرِّقَابِ } في تخليصها يعني المكاتبين يعينهم ليؤدوا حقوقهم فيعتقوا { وَأَقَامَ الصَّلاةَ } بحدودها { وَآتَى الزَّكَاةَ } الواجبة عليه لإِخوانه المؤمنين { وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا } قيل عطف على من آمن يشمل عهد الله والناس { وَالصَّابِرِينَ } نصبه على المدح ولم يعطف لفضل الصبر على سائر الأعمال { فِي الْبأْسَاءِ } يعني في محاربة الأعداء ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته ويهتف به ويدفعه وإياهم بالصلاة على محمد وآله الطيبين { وَالضَّرَّاءِ } الفقر والشدة ولا فقر أشد من فقر مؤمن يلجأ إلى التكفف من أعداء آل محمد عليهم السلام يصبر على ذلك ويرى ما يأخذه من مالهم مغنماً يلعنهم به ويستعين بما يأخذ على تجديد ذكر ولاية الطّيبين الطاهرين { وَحِينَ الْبَأْسِ } عند شدة القتال يذكر الله ويصلي على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وعلى علي ولي الله يوالي بقلبه ولسانه أولياء الله ويعادي كذلك أعداء الله { أُوْلئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا } في إيمانهم وصدقوا أقاويلهم بأفاعيلهم { وأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتّقُونَ } لما أمروا باتقائه. قيل الآية كما ترى جامعة للكمالات الانسانية بأسرها دالة عليها صريحاً أو ضمناً فإنها بكثرتها وتشتّتها منحصرة في ثلاثة أشياء صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة وتهذيب النفس وقد أُشير إلى الأول بقوله: { ومن آمن } إلى { والنبيين } وإلى الثاني بقوله: { وآتى المال } إلى { وفي الرقاب } وإلى الثالث بقوله وأقام الصلاة إلى آخرها ولذلك وصف المستجمع لها بالصدق نظراً إلى إيمانه واعتقاده وبالتقوى اعتباراً بمعاشرته للخلق ومعاملة مع الحق وإليه أشار النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بقوله من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان.