التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٨٣
أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١٨٤
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (183) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } العياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله سبحانه كتب عليكم القتال فقال هذه كلها يجمع الضلال والمنافقين وكل من أقرّ بالدعوة الظاهرة.
وفي المجمع عنه عليه السلام قال لذة النداء أزال تعب العبادة والعناء { كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } من الأنبياء والأمم، وعن أمير المؤمنين عليه السلام أن أولهم آدم يعني أنه عبادة قديمة ما أخلى الله أمة من ايجابها عليهم لم يوحيها عليكم وحدكم وفيه ترغيب على الفعل وتطييب عن النفس { لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ } المعاصي فان الصيام يكسر الشهوة التي هي معظم أسبابها وفي الحديث
"من لم يستطع الباه فليصم فان الصوم له وجاء" .
{ (184) أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ } قيل أي قلائل فان القليل يعد عداً والكثير يهال هيلاً أو موقتات بعدد معلوم { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً } مرضاً يضره الصوم ويعسر كما يدل عليه قوله تعالى: { { وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } [البقرة: 185] { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } راكب سفر { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فعليه عدة من أيام أُخر وهذا نص في وجوب الافطار على المريض والمسافر كما ورد عن أئمتنا عليهم السلام في أخبار كثيرة حتى قالوا الصائم شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر رواه في الكافي والتهذيب والفقيه وفي الثلاثة في حديث الزهري عن السجاد من صام في السفر أو المرض فعليه القضاء لأن الله تعالى يقول فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أُخر، وعن الباقر عليه السلام قال سمى رسول الله صلّى الله عليه وآله قوماً صاموا حين افطر وقصر عصاة قال وهم العصاة إلى يوم القيامة وإنا لنعرف أبناءهم وأبناء أبناءهم إلى يومنا هذا.
وعن الصادق عليه السلام أنه سئل عمن صام في السفر فقال إذا كان بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء وإن لم يكن بلغه فلا شيء عليه.
وفي رواية اخرى وإن صامه بجهالة لم يقض، وعنه عليه السلام أنه سئل ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام قال بل الإنسان على نفسه بصيرة وهو أعلم بما يطيقه.
وفي الكافي عنه عليه السلام هو مؤتمن عليه مفوّض اليه فان وجد ضعفاً فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المريض على ما كان.
وفيه أنه عليه السلام سئل عن حد المرض الذي يترك منه الصوم قال إذا لم يستطع أن يتسحّر.
وفي الفقيه عنه عليه السلام الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر، وعنه عليه السلام كلما أضر به الصوم فالافطار له واجب واما حدّ السفر الذي يفطر فيه فقصد ثمانية فراسخ فصاعداً ذهاباً أو مع الإِياب ما لم ينقطع سفره دونها بعزم إقامة عشرة أيام أو مضي ثلاثين يوماً عليه متردداً في بلد أو بالوصول إلى بلد يكون فيه منزل يقيم فيه ستة أشهر فان انقطع بأحدها فقد صار سفرين بينهما حضور وأن لا يكون السفر عمله إلا إذا جدّ به السير وشق عليه مشقّة شديدة وأن يكون السفر جائزاً له وأن يتوارى عن جدران البلد أو يخفى عليه أذانه هذا ما استفدناه من أخبار أئمتنا عليهم السلام في شرائط السفر الموجب للافطار في الصيام والتقصير في الصلاة وبينّاه في كتابنا المسمى بالوافي من أراد الاطلاع عليه فليراجع إليه.
{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } إن أفطروا { فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } في الجوامع عن الباقر عليه السلام طعام مساكين وقرأ به قيل به قيل كان القادر على الصيام الذي لا عذر له مخيراً بينه وبين الفدية لكل يوم نصف صاع وقيل مد وكان ذلك في بدو الإسلام حين فرض عليهم الصيام ولم يتعودوا فرخص لهم في الافطار والفدية ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل فمن شهد منكم الشهر فليصمه وقيل إنه غير منسوخ بل المراد بذلك الحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن والشيخ والشيخة فانه لما ذكر المرض المسقط للفرض وكان هناك أسباب أُخر ليست بمرض عرفاً لكن يشق معها الصوم وذكر حكمها فيكون تقديره وعلى الذين يطيقونه ثم عرض لهم ما يمنع الطاقة فدية وهذا هو المروي عن الصادق عليه السلام ويؤيده ما ورد في شواذ القراءة عن ابن عباس وعلى الذين يطوقونه أي يتكلّفونه وعلى هذا يكون قوله وان تصوموا خير لكم كلاماً مستأنفاً لا تعلق له بما قبله وتقديره وإن صومكم خير عظيم لكم هذا ما قالوا في معنى الآية ويخطر بالبال أنه لا حاجة بنا إلى مثل هذه التكلفات البعيدة من القول بالنسخ تارة مع دلالة الأخبار المعصومية على خلافة والتزام الحذف والتقدير وفصل ما ظاهره الوصل أخرى مع عدم ثبوت تلك الروايات المشار إليها وذلك لأن الله سبحانه لا يكلّف نفساً إلا وسعها كما قاله في محكم كتابه والوسع دون الطاقة كما ورد في تفسيره عن أهل البيت عليهم السلام فلا تكلف نفس بما هو على قدر طاقتها أي بما يشق عليها تحمله عادة ويعسر فالذين يطيقون الصوم يعني يكون الصوم بقدر طاقتهم ويكونون معه على مشقة وعلى عسر لم يكلفهم الله على سبيل الحتم كالشيخ والحامل ونحوهما بل خيرهم بينه وبين الفدية توسيعاً منه ورحمة ثم جعل الصوم خيراً لهم من الفدية في الأجر والثواب إذا اختاروا المشقة على السعة ويؤيده القراءة الشاذة كما يؤيده ما ذكروه ويدل على هذا أيضاً ما رواه في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام في قوله تعالى: { الذين يطيقونه } قال الشيخ الكبير والذي يأخذه العطاش.
وفي رواية المرأة تخاف على ولدها والشيخ الكبير وقوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم } فانه يدل على أن المطيق هو الذي يقدر على الصيام حداً في القدرة دون الحد الذي أوجب عليه التكليف.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال يتصدّق عن كل يوم بما يجزي من طعام مسكين وفي رواية كل يوم مد. { فمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } أي زاد في مقدار الفدية وقرئ يَطّوَّع كما في آية الحج { َهُوَ } فالتطوع { خَيْرٌ لَهٌ وَأَن تَصُومُوا } أيها المطيقون { خَيْرٌ لَكُمْ } من الفدية وتطوّع الخير { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ما في الصيام من الفضيلة إن صمتم أو إن كنتم من أهل العلم علمتم ذلك.