التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى ٱلْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ بِٱلإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
١٨٨
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
١٨٩
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (188) وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ } لا يأكل بعضكم مال بعض { بِالْبَاطِلِ } بالوجه الذي لا يحل ولم يشرعه الله.
وفي المجمع عن الباقر يعني بالباطل اليمين الكاذبة يقتطع به الأموال.
وفي الفقيه والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل الرجل منا يكون عنده الشيء يبتلغ به وعليه الدين أيطعمه عياله حتى يأتيه الله تعالى بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان وشدة المكاسبة أو يقبل الصدقة فقال يقضي بما عنده دينه ولا يأكل أموال الناس إلا وعنده ما يؤدي إليهم ان الله عز وجل يقول ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل { وَتُدْلُوا بِهَا إلى الْحُكّامِ } عطف على المنهيّ أو نصب باضمار ان، والادلاء الالقاء أي ولا تلقوا أمرها والحكومة فيها إلى الحكام { لِتأْكُلُوا } بالتحاكم { فَرِيقاً } طائفة { مِنْ أَمْوَالِ النّاسِ بِالإِثْمِ } بما يوجب إثماً كشهادة الزّور واليمين الكاذبة أو بالصلح مع العلم بأن المقضي له ظالم { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنكم مبطلون.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال إن الله عز وجل قد علم أن في الأمة حكّاماً يجورون إما إنه لم يعن حكام أهل العدل ولكنه عنى حكام أهل الجور.
والقمّي قال العالم عليه السلام قد علم الله أنه يكون حكام يحكمون بغير الحق فنهى أن يتحاكم إليهم لأنهم لا يحكمون بالحق فيبطل الأموال.
وفي التهذيب والعياشي عن الرضا عليه السلام أنه كتب في تفسيرها ان الحكّام القضاة ثم كتب تحته وهو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي فهو غير معذور في أخذه ذلك الذي حكم له إذا كان قد علم أنه ظالم.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام كانت قريش تقامر الرجل أهله وماله فنهاهم الله.
أقول: الآية تعمّ الكل ولا تنافي بين الأخبار.
{ (189) يسْاَلُونَكَ عَنِ الأهِلّةِ } عن أحوالها في زيادتها ونقصانها ووجه الحكمة في ذلك { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ } أي معالم يوقّت بها الناس عباداتهم ومزارعهم ومتاجرهم ومحال ديونهم وعدد نسائهم.
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام لصومهم وفطرهم وحَجِّهم { وَلَيْسَ الْبِرُّ بأَنْ تَاْتُوا الْبُيُوتَ } وقرئ بكسر الباء حيث وقع { مِنْ ظُهُورِهَا } في المجمع عن الباقر عليه السلام كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم أي في مؤخرها نقباً يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التدين بها { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتّقَى } ما حرّم الله كذا عن الصادق عليه السلام { وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } وفي المحاسن والمجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام يعني أن يأتي الأمر من وجهه أي الأمور كان.
أقول: ومنه أخذ أحكام الدين عن أمير المؤمنين عليه السلام وعترته الطّيبين لأنهم أبواب مدينة علم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أجمعين كما قال
"أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا يؤتى المدينة إلا من بابها" .
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد جعل الله للعلم أهلاً وفرض على العباد طاعتهم بقوله وأتوا البيوت من ابوابها والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعته الأنبياء وأبوابها أوصياؤهم.
وعنه عليه السلام نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى أبوابها نحن باب الله وبيوته التي يؤتى منه فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها إن الله لو شاء عرّف الناس نفسه حتى يعرفونه ويأتونه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه قال فمن عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها وإنهم في الصراط لناكبون.
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام آل محمد صلوات الله عليهم أبواب الله وسُبُله والدّعاة إلى الجنة والقادة إليها والادلاء عليها إلى يوم القيامة { واتَّقُوا اللهَ } في تغيير أحكامه { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } لكي تظفروا بالهدى والبرّ.