التفاسير

< >
عرض

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ
٢٤
وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَٰبِهاً وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَٰجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ
٢٥
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (24) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } هذا الذي تَحَدَّيْتُكُمْ بِهِ أيّها المقرّعون بحجّة ربّ العالمين { وَلَنْ تَفْعَلُوا } ولا يكون هذا منكم ابداً ولن تقدروا عليه { فَاتّقُوا النّارَ الّتي وَقُودُهَا } حطبها { النّاسُ والْحِجَارَةُ } حجارة الكبريت لأنّها أشدّ الأشياء حرّاً.
وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام: لقد مررنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله بجبل وإذ الدموع تسيل من بعضه فقال: ما يبكيك يا جبل؟ قال: يا رسول الله كان المسيح مرّ بي وهو يخوّف الناس بنار وقودها الناس والحجارة فانا أخاف أن أكون من تلك الحجارة. قال (ص):
"لا تخف تلك حجارة الكبريت" فقرّ الجبل وسكن وهَدَءَ. وقيل المراد بها الأصنام التي نحتوها وقرنوا بها أنفسهم وعبدوها طمعاً في شفاعتها، كما في قوله تعالى: { { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98]. القمّي عن الصادق (ع) قال إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنّم وقد أطفئت سبعين مرّة بالماء ثم التهبت ولولا ذلك ما استطاع آدمي أن يطفأها وإنّها ليؤتى بها يوم القيامة حتى توضع على النار فتصرخ صرخة لا يبقى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل إلا جَثَا على ركبتيه فزعاً من صرختها { أُعِدَّتْ لِلْكافِرِيْنَ } المكذّبين بكلامه ونبيّه.
{ (25) وَبَشِّرِ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا }: من تحت أشجارها ومساكنها { الأَنْهارُ } رُوي أنّها نزلت في عليّ وحمزة وجعفر وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب.
أقول: وهذا لا ينافي عموم حكمها كما دريت { كُلّمَا رُزِقُوا مِنْها } من تلك الجنّات { مِنْ ثَمَرَةٍ } من ثمارها { رِزْقاً قَالُوا هَذا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } في الدنيا فأسماؤه كأسمائه ولكنها في غاية الطيب غير مستحيل إلى ما يستحيل إليه ثمار الدنيا من العذرة والصفراء والسوداء والدم إلا العرق الذي يجري في أعراضهم أطيب ريحاً من المسك.
أقول: العِرض بالكسر الجسد.
{ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً } يشبه بعضه بعضاً بأنها كلها خيار لا رذل فيها وبأنّ كل صنف منها في غاية الطيب واللذة ليست كثمار الدنيا التي بعضها نيّ وبعضها متجاوز لحدّ النّضج والادراك إلى حد الفساد من حموضة ومرارة وسائر صنوف المكاره ومتشابهات أيضاً متفقات الألوان مختلفات الطعوم.
أقول: لما كَان المعرفة في الدنيا بذر المشاهدة في الآخرة جاز أن يكون اشير بهذا الذي رزقنا من قبل لأهل المعرفة إلى ثمرة علومهم ومعارفهم التي صارت عيناً وعياناً.
{ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ } من الحيض والنّفاس وسائر أنواع الأقذار والفواحش لا ولاّجات ولا خرّاجات ولا دخّالات ولا ختّالات ولا متغايرات ولا لأزواجهن فركات ولا صخّابات ولا عيابات ولا نخّاسات ومن كل العيوب والمكاره بريئات.
أقول: الولاّجات الخرّاجات اللواتي يكثرن الظّرف والاختيار والدخّالات الغاشّات والختّالات الخداعات والمتغايرات من الغيرة وفركات مبغضات والصّخابات الصيّاحات والعيّابات من العيب والنّخاسات الدفّاعات.
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام لا يحضن ولا يحدثن.
{ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }: لأنّ نيّاتهم في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً فبالنيّات خلّدوا كذا في العلل عن الصادق عليه السلام.