التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
٣٢
قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
٣٣
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ
٣٤
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (32) قَالُوا سُبْحانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلّمْتَنَا إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ } بكلّ شيءٍ { الْحَكِيمُ } المصيب بكلّ فعل.
أقولُ: وإنّما اعترفوا بالعجز والقصور لما قد بان لهم من فضل آدم ولاحت لهم الحكمة في خلقه فصغر حالهم عند أنفسهم وقلّ عملهم لديهم وانكسرت سفينة جبروتهم فغرقوا في بحر العجز وفوّضوا العلم والحكمة إلى الله وإنّما لم يعرفوا حقائق الأشياء كلّها لاختلافها وتباينها وكونهم وحدانيّة الصّفة إذ ليس في جبلّتهم خلط وتركيب ولهذا لا يفعل كلّ صنف منهم إلاّ فعلاً واحداً فالرّاكع منهم راكع ابداً والسّاجد منهم ساجد أبداً والقائم منهم قائم أبداً كما حكى الله عنهم بقوله:
{ { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } [الصافات: 164] ولهذا ليس لهم تنافس وتباغض بل مثالهم مثال الحواس فان البصر لا يزاحم السمع في إدراك الأصوات ولا الشم يزاحمهما ولا هما يزاحمان الشمَّ فلا جرم مجبولون على الطاعة ولا مجال للمعصية في حقّهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يسبّحون اللّيل والنهار لا يفترون فكل صنف منهم مظهر لاسم واحد من الاسماء الإِلهية لا يتعداه ففاقهم آدم بمعرفته الكاملة ومظهريته الشاملة.
{ (33) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمائِهِمْ }.
أقول: يعني أخبرهم بالحقائق المكنونة عنهم والمعارف المستورة عليهم ليعرفوا جامعيّتك لها وقدرة الله تعالى على الجمع بين الصفات المتباينة والسماء المتناقضة ومظاهرها بما فيها من التضاد في مخلوق واحد كما قيل: ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد.
{ فَلَمّا أَنْبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ } فعرفوها أخذ عليهم العهود والمواثيق للأَنبياء والأولياء بالإِيمان بهم والتفضيل لهم على أنفسهم فعند ذلك { قَالَ أَلَمْ اَقُلْ لَكُمْ إنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَاْلأَرْضِ } سرّهما { وأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } من ردكم عليّ { وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ } من اعتقادكم أنه لا يأتي أحد يكون أفضل منكم وعزم إبليس عن الاباء على آدم أن أمر بطاعته فجعل آدم حجّة عليهم.
{ (34) وَإذْ قُلْنَا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } وذلك لما كان في صلبه من أنوار نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المعصومين عليهم السلام وكانوا قد فُضِّلوا على الملائكة باحتمالهم الأذى في جنب الله فكان السجود لهم تعظيماً وإكراماً ولله سبحانه عبودية ولآدم عليه السلام طاعةً.
قال علي بن الحسين حدّثني أبي عن أبيه عليهم السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: يا عباد الله إن آدم عليه السلام لما رأى النور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبيّن الأشباح فقال: يا رب ما هذه الأنوار فقال عزّ وجلّ: (أنوار وأشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك إذ كنت وعاءً لتلك الأشباح فقال آدم يا رب لو بنيتها لي فقال الله عز وجل: انظر يا آدم إلى ذروة العرش فانطبع فيه صور أنوار أشباحنا التي في ظهره كما ينطبع وجه الإنسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا فقال ما هذه الأشباح يا رب قال الله: يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبريّاتي هذا محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وانا الحميد المحمود في فعالي شققت له إسماً من إسمي وهذا علي وأنا العليّ العظيم شققت له إسماً من إسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعيّرهم ويشينهم فشققت لها إسماً من إسمي هؤلاء خيار خليقتي وكرام بريّتي بهم آخذ وبهم أُعطي وبهم أُعاقب وبهم أُثيب فتوسّل بهم إليّ يا آدم إذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك فاني آليت على نفسي قسماً حقاً أن لا أُخيب بهم أملاً ولا أرد بهم سائلاً فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عز وجل بهم فتيب عليه وغفرت له { فَسَجَدُوا إلاَّ إِبلِيسَ } في المعاني عن الرضا عليه السلام كان اسمه الحارث سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله { أَبَى وَاسْتَكْبَرَ } أخرج ما كان فيه قلبه من الحسدَ { وَكَانَ مِنَ الْكافِرِينَ }. في العيون عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه أول من كفر وأنشأ الكفر.
والعيّاشي عن الصادق عليه السلام مثله والقمّي عنه عليه السلام الاستكبار هو أول معصية عُصِيَ الله بها. قال عليه السلام: فقال إبليس رب اعفني من السجود لآدم وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل فقال جل جلاله لا حاجة لي في عبادتك إنما عبادتي من حيث أُريد لا من حيث تريد.