التفاسير

< >
عرض

فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ
٧٩
وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ ٱللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ ٱللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
٨٠
بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
٨١
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (79) فَوَيْلٌ }: شدة من العذاب في أسوء بقاع جهنّم { لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } يحرّفون من أحكام التوراة { ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ } وذلك أنّهم كتبوا صفة زعموا أنه صفة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو خلاف صفته وقالوا للمستضعفين هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان إنه طويل عظيم البدن والبطن أصهب الشعر ومحمد صلّى الله عليه وآله بخلافه وأنه يجيء بعد هذا الزمان بخمسماءة سنة { لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً } لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم وتدوم لهم منهم إصاباتهم ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ } يعني المحرّف { وَوَيْلٌ لَهُمْ } شدّة من العذاب ثانية مضافة إلى الأولى { مِمّا يَكْسِبُونَ } من الأموال التي يأخذونها إذا ثبتوا عوامهم على الكفر.
{ (80) وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إلاَّ أَيّاماً مَعْدُودَةً } لمّا قال لهم ذووا أرحامهم لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذّبون أجابهم هؤلاء اليهود بأن مدة العذاب الذي نعذب به لهذه الذنوب أيام معدودة وهي التي عبدنا فيها العجل وهي تنقضي ثم نصير بعده في النعمة في الجنان ولا نستعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا فإنها تفنى وتنقضي ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ولذات نعمة الدنيا ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد فانه إذا لم يكن دائماً فكأنه قد فنى { قُلْ } يا محمد { أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً } ان عذابكم على كفركم منقطع غير دائم { فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } يعني اتّخذتم عهداً أم تقولون بل أنتم في أيهما ادّعيتم كاذبون بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاذ له.
{ (81) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } وقرئ خطيئاته بالجمع، قيل أي استولت عليه وشملت جملة أحواله حتى صار كالمحاط بها لا يخرج عنها شيء من جوانبه.
وفي تفسير الامام عليه السلام السيئة المحيطة به أن تخرجه عن جملة دين الله وتنزعه عن ولاية الله وتؤمنه من سخط الله وهي الشرك بالله والكفر به وبنبوّة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وولاية علي عليه السلام وخلفائه وكل واحدة من هذه سيئة تحيط به أي تحيط بأعماله فتبطلها وتمحقها، قيل وتحقيق ذلك أنّ من اذنب ذنباً ولم يقلع عنه استجره إلى معاودة مثله والانهماك فيه وارتكاب ما هو أكبر منه حتّى تستولي عليه الذنوب وتأخذ بمجامع قلبه فيصير بطبعه مائلاً إلى المعاصي مستحسناً إياها معتقداً أن لا لذة سواها مبغضاً لمن يمنعه عنها مكذباً لمن ينصحه فيها كما قال الله تعالى
{ { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ } [الروم: 10] { فأُوْلَئِكَ } عاملوا هذه السيئة المحيطة { أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } لأن نيّاتهم في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً فبالنيّات خلّدوا كذا في الكافي عن الصادق عليه السلام.
وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام لا يخلّد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضّلال والشّرك.
وفي الكافي عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين عليه السلام فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.