التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ ٱلْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٨٦
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ أُوْلئِك الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِاْلآخِرَةِ } ورضوا بالدنيا وحطامها بدلاً من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ } ولا ينصرهم أحد يدفع عنهم العذاب قال عليه السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: "لما نزلت الآية في اليهود أي الذين نقضوا عهد الله وكذبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله أفلا انبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الأمة قالوا بلى يا رسول الله قال قوم من أمّتي ينتحلون بأنهم من أهل ملّتي يقتلون أفاضل ذريتي وأطايب أرومتي ويبدّلون شريعتي وسنّتي ويقتلون ولديّ الحسن والحسين كما قتل أسلاف اليهود زكريا ويحيى ألا وان الله يلعنهم كما لعنهم ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهدياً من ولد الحسين المظلوم يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم" .
والقمّي أنها نزلت في أبي ذرّ "ره" وفيما فعل به عثمان بن عفان وكان سبب ذلك أنه لما أمر عثمان بنفي أبي ذَرْ "ره" إلى الرّبذة دخل عليه أبو ذرّ وكان عليلاً وهو متّكئ على عصاه وبين يدي عثمان ماءة ألف درهم اتته من بعض النواحي وأصحابه حوله ينظرون إليه ويطمعون أن يقسّمها فيهم فقال أبو ذر لعثمان: ما هذا المال؟ فقال: حمل إلينا من بعض الأعمال ماءة لف درهم أُريد أن اضم إليها مثلها ثم ارى فيها رأيي. قال أبو ذرّ: "يا عثمان أيّما أكثر ماءة ألف درهم أم أربعة دنانير؟ قال عثمان: بل ماءة ألف درهم فقال: اما تذكر إذ أنا وأنت دخلنا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عشاء فوجدناه كئيباً حزيناً فسلمنا عليه ولم يرد علينا السلام فلما أصبحنا اتيناه فرأيناه ضاحكاً مستبشراً فقلت له بأبي وأمي دخلنا عليك البارحة فرايناك كئيباً حزيناً وعدنا إليك اليوم فرأيناك ضاحكاً مستبشراً فقال: نعم كان قد بقي عندي من فيء المسلمين أربعة دنانير لم أكن قسّمتها وخفت ان يدركني الموت وهي عندي وقد قسّمتها اليوم فاسترحت" . ونظر عثمان إلى كعب الأحبار فقال له: يا ابا إسحق ما تقول في رجل أدّى زكوة ماله المفروضة هل يجب عليه فيها بعد ذلك فقال: لا ولو اتّخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة ما وجب عليه شيء فرفع أبو ذرّ عصاه فضرب بها رأس كعب وقال: يا بن اليهودية المشركة ما أنت والنظر في أحكام المسلمين قول الله عز وجل اصدق من قولك حيث قال: الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم إلى قوله فذُوقوا ما كنتم تكنزون قال عثمان: يا أبا ذرّ إنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك. فقال: كذبت يا عثمان ويلك اخبرني حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال: لا يفتنونك يا ابا ذرّ ولا يقتلونك اما عقلي فقد بقي منه ما اذكرني حديثاً سمعته من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قاله فيك وفي قومك قال: وما سمعتَ من رسول الله فيّ وفي قومي قال سمعته يقول: وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بلغ آل أبي العاص ثلاثين رجلاً صيّروا مال الله دولاً وكتاب الله دَغَلاَ وعباد الله خولاً والصّالحين حرباً والفاسقين حزباً. قال عثمان: يا معشر اصحاب محمد هل سمع أحد منكم هذا الحديث من رسول الله؟ قالوا: لا ما سمعنا هذا من رسول الله فقال عثمان ادعوا علياً عليه السلام فجاءه أمير المؤمنين فقال له عثمان: يا أبا الحسن اسمع ما يقول هذا الشيخ الكذّاب فقال أمير المؤمنين: مَه يا عثمان لا تقل كذّاب فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من ابي ذرّ قال أصحاب رسول الله: صدق علي سمعنا هذا القول من رسول الله صلّى الله عليه وآله فعند ذلك بكى أبو ذر وقال ويلكم كلكم قد مد عنقه إلى هذا المال ظننتم إني أكذب على رسول الله.
ثم نظر إِليهم فقال من خيركم فقالوا: أنت تقول إنّك خيرنا قال: نعم خلفت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في هذه الجبّة وهي علي بعد وأنتم قد أحدثتم احداثاً كثيرة والله سائلكم عن ذلك ولا يسألني فقال عثمان: يا أبا ذر أسألك بحق رسول الله إلا ما أخبرتني عما أنا سائلك عنه فقال أبو ذر: والله لو لم تسألني بحق رسول الله ايضاً لأخبرتك فقال: أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها؟ فقال مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فقال لا ولا كرامة لك قال المدينة حرم رسول الله فقال لا ولا كرامة لك قال: فسكت أبو ذر. فقال أي البلاد أبغض إليك أن تكون بها قال الرّبذة التي كنت بها على غير دين الإِسلام. فقال عثمان سر إليها فقال أبو ذرّ: قد سألتني فصدقتك وأنا أسألك فأصدقني قال نعم قال أخبرني لو انّك بعثتني فيمن بعثت من أصحابك إلى المشركين فأسروني وقالوا لا نفديه إلا بثلث ما تملك قال: كنت أفديك قال فان قالوا لا نفديه إلا بنصف ما تملك قال: كنت أفديك قال: فان قالوا لا نفديه إلا بكل ما تملك قال: كنت أفديك فقال أبو ذر: الله أكبر قال لي حبيبي رسول الله يوماً:
"يا أبا ذر كيف أنت إذا قيل لك أي البلاد أحب إليك أن تكون فيها فتقول مكة حرم الله وحرم رسوله أعبد الله فيها حتى يأتيني الموت فيقال لا ولا كرامة لك فتقول فالمدينة حرم رسول الله فيقال: لا ولا كرامة لك ثم يقال لك فأيّ البلاد أبغض إليك أن تكون فيها فتقول الرّبذة التي كنت فيها على غير دين الإِسلام فيقال لك سر إليها فقلت: وإن هذا الكائن يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فقال: إي والذي نفسي بيده أنه كائن فقلت يا رسول الله أفلا أضع سيفي على عاتقي فأضرب به قدماً، قال: لا اسمع واسكت ولو لعبد حبشي وقد أنزل الله تعالى فيك وفي عثمان خصمك آية فقلت: وما هي يا رسول الله فقال قول الله تعالى: وتلا هذه الآية" .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وجوه الكفر في القرآن قال: الرابع من الكفر ترك ما أمر الله وهو قول الله عز وجل وتلا هذه الآية فقال فكفّرهم بترك ما أمر الله ونسبهم إلى الإِيمان ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده.