التفاسير

< >
عرض

وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ
٩٥
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
٩٦
قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ
٩٧
مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ
٩٨
-البقرة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (95) وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَداً بَمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيِهِمْ } من موجبات النار كالكفر بمحمد وآله والقرآن وتحريف التوراة { وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْظّالِمِينَ } تهديد لهم وتنبيه على أنهم ظالمون في دعوى ما ليس لهم ونفيه عمّن هو لهم كذا قيل.
{ (96) وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ }: ليأسهم عن نعيم الآخرة لأنهما كهم في كفرهم الذي يعلمون أنه لا حظ لهم معه في شيء من خيرات الجنة { وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا } واحرص من الذين أشركوا يعني المجوس الذين لا يرون النعيم إلا في الدنيا ولا يأملون خيراً في الآخرة قيل أفرادهم بالذكر للمبالغة فان حرصهم شديد إذ لم يعرفوا إلا الحياة العاجلة أو للزيادة في التوبيخ والتقريع فانهم لما زاد حرصهم وهم مقرّون بالجزاء على حرص المنكرين دل ذلك على علمهم بأنهم سائرون إلى النار { يَوَدُّ أَحَدهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ } أي التعمير ألف سنة { بِمُزَحْزِحِهِ } مباعده { مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمّرَ } إنما ابدل من الضمير وكرر التعمير لئلا يتوهم عوده إلى التمني { وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } فعلى حسبه يجازيهم ويعدل عليهم ولا يظلمهم.
{ (97) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيْلَ }: وقرئ بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز وبفتحهما مهموزاً بياء بعد الهمزة وبغير ياء { فَإنّهُ } فان جبرائيل { نَزَّلَهُ } نزّل القرآن { عَلَى قَلْبِكَ } يا محمد وهذا كقوله سبحانه نزل به الروح الأمين على قلبك { بإِذْنِ اللهِ } بأمره { مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } من كتب الله { وَهُدَىً } من الضلالة { وبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } بنبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وولاية علي صلوات الله عليه ومن بعده من الأئمة عليهم السلام بأنهم أولياء الله حقاً قال شيعة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام ومن تبعهم من أخلافهم وذراريهم.
{ (98) مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلّهِ }: بأن يخالفه عناداً لإِنعامه على المقربين من عباده { وَمَلاَئِكَتِهِ } المبعوثين لنصرتهم { وَرُسُلِهِ } المخبرين عن فضلهم الداعين إلى متابعتهم { وَجِبْرِيلَ وَمِيْكَالَ } خصوصاً وقرئ بغير همزة ولا ياء وبهمزة من غير ياء { فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ } بهم وذلك قول من قال من النصاب لمّا قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام: جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره وإسرافيل من خلفه وملك الموت أمامه والله تعالى من فوق عرشه ناظر بالرضوان إليه ناصره قال بعض النصَّاب انا أبرأ من الله وجبرائيل وميكائيل والملائكة الذين حالهم مع عليّ ما قاله محمد صلّى الله عليه وآله وسلم فقال الله من كان عدواً لهؤلاء تعصّباً على علي فان الله يفعل بهم ما يفعل العدو بالعدو.
والقمّي انها نزلت في اليهود الذين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لو كان الملك الذي يأتيك ميكائيل لآمنّا بكَ فانه ملك الرحمة هو صديقنا وجبرائيل ملك العذاب وهو عدوّنا.
وفي تفسير الإمام عليه السلام ان الله ذمّ اليهود في بغضهم لجبرائيل الذي كان ينفّذ قضاء الله فيهم فيما يكرهون كدفعه عن بخت نصّر ان يقتله دانيال عليه السلام من غير ذنب جنى بخت نصّر حتى بلغ كتاب الله في اليهود أجله وحل بهم ما جرى في سابق علمه وذمّهم أيضاً وذمّ النّواصب في بغضهم لجبرائيل وميكائيل وملائكة الله النازلين لتأييد عليّ بن ابي طالب عليه السلام على الكافرين حتى أذلّهم بسيفه الصارم.
وفيه وفي الاحتجاج قال أبو محمد قال جابر بن عبد الله لما قدم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم المدينة اتوه بعبد الله بن صوريا غلام اعور يهودي تزعم اليهود أنه أعلم يهودي بكتاب الله وعلوم أنبيائه فسأله عن أشياء فأجابه عنها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بما لم يجد إلى إنكار شيء منه سبيلاً إلى أن قال بقيت خصلة ان قلتها آمنت بك واتّبعتك أيّ ملك يأتيك بما تقوله عن الله قال جبرائيل: قال ابن صوريا ذلك عدونا من بين الملائكة ينزل بالقتل والشدة والحرب ورسولنا ميكائيل يأتي بالسرور والرخاء فلو كان ميكائيل هو الذي يأتيك آمنّا بك وميكائيل كان يشدّ ملكنا وجبرائيل كان يهلك ملكنا فهو عدوّنا قال فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: ويحك أجهلت أمر الله وما ذنب جبرائيل إن أطاع الله فيما يريده بكم أرأيتم الآباء والأمهات إذا أوجروا الأولاد الدواء الكريهة لمصالحهم يجب أن يتّخذهم أولادهم أعداء من أجل ذلك لا ولكنّكم بالله جاهلون وعن حكمه غافلون أشهد أن جبرائيل وميكائيل بأمر الله عاملان وله مطيعان وأنه لا يعادي أحدهما إلا من عادى الآخر وأنه من زعم انه يحب أحدهما ويبغض الآخر فقد كذب وكذلك محمد رسول الله "ص" وعلي اخوان فمن أحبّهما فهو من أولياء الله ومن أبغضهما فهو من أعداء الله ومن ابغض احدهما وزعم أنه يحبّ الآخر فقد كذب وهما منه بريئان والله تعالى وملائكته وخيار خلقه منه براء.
وقال الإمام عليه السلام: فقال له سلمان الفارسي "رض" فما بدو عداوته لكم قال نعم يا سلمان عادنا مراراً كثيرة وكان من اشد ذلك علينا ان الله أنزل على أنبيائه: ان البيت المقدس يخرب على يد رجل يقال له بخت نصّر وفي زمانه أخبرنا بالخبر الذي يخرّب به والله يحدث الأمر بعد الأمر فيمحوا ما يشاء ويثبت ما يشاء فلمّا بلغنا ذلك الخبر الذي يكون فيه هلاك بيت المقدس بعث أوائلنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل وافاضلهم كان يعدّ من أنبيائهم يقال له دانيال في طلب بخت نصّر ليقتله فحمل معه وقرة مال لينفقه في ذلك فلمّا انطلق في طلبه لقيه ببابل غلاماً ضعيفاً مسكيناً ليس له قوّة ولا منعة فأخذه صاحبنا ليقتلهِ فدفع عنه جبرائيل وقال لصاحبنا ان كان ربّكم هو الذي أمر بهلاككم فانه لا يسلطك عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي شيء تقتله فصدّقه صاحبنا وتركه ورجع إلينا فأخبرنا بذلك وقوي بخت نصّر وملك وغزانا وخرّب بيت المقدس فلهذا نتّخذه عدواً وميكائيل عدو لجبرائيل.
فقال سلمان: يا ابن صوريا بهذا العقل المسلوك به غير سبيله ضللتم أرأيتم أوائلكم كيف بعثوا من يقتل بخت نصّر وقد أخبر الله تعالى في كتبه على ألسنة رسله أنه يملك ويخرّب بيت المقدس أرادوا بذلك تكذيب أنبياء الله في خبرهم واتّهموهم في اخبارهم أو صدّقوهم في الخبر عن الله ومع ذلك أرادوا مغالبة الله هل كان هؤلاء ومن وجّهوه الا كفاراً بالله وأي عداوة يجوز أن يعتقد لجبرائيل وهو يصده عن مغالبة الله عز وجل وينهى عن تكذيب خبر الله تعالى فقال ابن صوريا لقد كان الله أخبر بذلك على ألسن أنبيائه ولكنه يمحو ما يشاء ويثبت.
قال سلمان: فإذاً لا تثقوا بشيء ممّا في التوراة من الأخبار عما مضى وما يستأنف فان الله يمحو ما يشاء ويثبت وإذاً لعل الله قد كان عزل موسى وهارون عن النبوة وابطلا في دعواهما لأن الله يمحو ما يشاء ويثبت ولعل كل ما أخبراكم أنه يكون لا يكون وما أخبراكم أنه لايكون يكون وكذلك ما أخبراكم عمّا كان لعلّه لم يكن وما أخبراكم أنه لم يكن لعله كان ولعل ما وعده من الثواب يمحوه ولعل ما توعّده به من العقاب يمحوه فانه يمحو ما يشاء ويثبت وإنّكم جعلتم معنى يمحو الله ما يشاء ويثبت فلذلك كنتم أنتم بالله كافرون ولأخباره عن الغيوب مكذّبون وعن دين الله منسلخون ثم قال سلمان فإني أشهد أن من كان عدواً لجبرائيل فانه عدو لميكائيل وأنهما جميعاً عدوان لمن عاداهما سلمان لمن سالمهما فأنزل الله تعالى عند ذلك موافقاً لقول سلمان قل من كان عدواً لجبرائيل الآية.