التفاسير

< >
عرض

وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً وَلاَ هَضْماً
١١٢
وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً
١١٣
فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً
١١٤
وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً
١١٥
-طه

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (112) وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ } بعض الطاعات { وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْماً } منع ثواب مستحق بالوعد { وَلاَ هَضْماً } ولا كسراً منه بنقصان.
القمّي عن الباقر عليه السلام ولا ينقص من عمله شيء وامّا ظلما يقول لن يذهب به.
{ (113) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } كلّه على هذه الوتيرة { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ } مكرّرين فيه آيات الوعيد { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } المعاصي فيصير التّقوى لهم ملكة { أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً } عظة واعتباراً حين يسمعونها فيثبطهم عنها ولهذه النكتة اسند التقوى اليهم والأحداث الى القرآن.
{ (114) فَتَعَالَى اللهُ } في ذاته وصفاته عن مماثلة المخلوقين { الْمَلِكُ الْحَقُّ } النافذ امره ونهيه بالاستحقاق { وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ }
القمّي قال كان رسول الله صلّى الله عليه وآله اذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية فأنزل الله { وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } اي يفرغ من قراءته { وَقُل رَبِّ زِدْنِي عِلْماً } اي سل الله زيادة العلم بدل الاستعجال فانّ ما اوحي اليك تناله لا محالة.
وفي المجمع
"عن النبي صلّى الله عليه وآله اذا اتى علىّ يوم لا ازداد فيه علماً يقرّبني الى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه" .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام سئل امير المؤمنين عليه السلام من اعلم الناس قال من جمع علم الناس الى علمه.
وعنه عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال
"فضل العلم احبّ الى الله من فضل العبادة" .
{ (115) وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ } لقد امرناه يقال تقدّم الملك اليه واوعز اليه وعزم عليه وعهد اليه اذا امره { فَنَسِيَ } العهد ولم يعن به { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } تصميم رأي وثباتاً على الامر.
القمّي قال فيما نهاه عنه من اكل الشجرة.
وفي الكافي والاكمال عن الباقر عليه السلام انّ الله تعالى عهد الى آدم ان لا يقرب هذه الشجرة فلمّا بلغ الوقت الّذي كان في علم الله ان يأكل منها فنسي فأكل منها وهو قول الله تعالى ولقد عهدنا الآية.
وفي الكافي عنه عليه السلام في هذه الآية قال انّ الله قال لآدم وزوجته لا تقرباها يعني لا تأكلا منها فقال لا نعم يا ربّنا لا نقربها ولا نأكل منها ولم يستثنيا في قولهما نعم فوكلهما الله في ذلك الى انفسهما والى ذكرهما.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام سمّى الانسان انساناً لأنّه ينسى قال الله لقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي.
والعيّاشي عن احدهما عليهم السلام انّه سئل كيف اخذ الله آدم بالنسيان فقال انه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكره ويقول له ابليس
{ مَا نَهَاكُما رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالِدين } [الأعراف: 20]َ.
أقول: لعلّ المنسي عزيمة النهي بحيث لا يقبل التّأويل والرخصة وغير المنسيّ اصل النهي او يقال المنسي الاقرار بفضيلة النبيّ والوصيّ وذريتهما المعصومين عليه السلام ويكون النسيان هنا بمعنى التّرك كما يدلّ عليه الاخبار الآخر.
ففي الكافي عن الصادق عليه السلام قال في قوله تعالى { ولقد عَهِدْنا إِلى آدَم من قبل } كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذريتهم فنسي هكذا والله انزلت على محمد صلّى الله عليه وآله وفيه.
وفي العلل والبصائر عن الباقر عليه السلام قال عهد اليه في محمّد صلّى الله عليه وآله والأئمّة عليهم السلام من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم انّهم هكذا وانّما سمّوا اولو العزم لأنّه عهد اليهم في محمّد صلّى الله عليه وآله والاوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم انّ ذلك كذلك والاقرار به.
وفي العلل عنه عليه السلام في حديث قال واخد الميثاق على اولي العزم انّني ربّكم ومحمّد رسولي وعليّ امير المؤمنين واوصيائه من بعده وُلاة امري وخزّان علمي وانّ المهديّ عليه السلام انتصر به لديني واظهر به دولتي وانتقم به من اعدائي واعبد به طوعاً وكرهاً قالوا اقررنا يا ربّ وشهدنا ولم يجحد آدم ولم يقرّ فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي (عج) ولم يكن لادم عزم على الاقرار به وهو قوله تعالى { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } قال انّما هو فترك.