التفاسير

< >
عرض

فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ
٤٤
قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ
٤٥
قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ
٤٦
فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ
٤٧
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَآ أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
٤٨
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يٰمُوسَىٰ
٤٩
قَالَ رَبُّنَا ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ
٥٠
قَالَ فَمَا بَالُ ٱلْقُرُونِ ٱلأُولَىٰ
٥١
قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى
٥٢
ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ
٥٣
كُلُواْ وَٱرْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ
٥٤
-طه

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (44) فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً } مثل هل لك الى ان تزكّى واهديك الى ربّك فتخشى فانّه دعوة في صورة عرض ومشورة حذراً ان تحمله الحماقة على ان يسطو عليكما { لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }
في العلل عن الكاظم عليه السلام قال امّا قوله { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً } اي ليّناه وقولا له يا ابا مصعب وكان فرعون أبا مصعب الوليد بن مصعب وامّا قوله { لَعَلَّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَى } فانّما قال ذلك ليكون احرص لموسى على الذهاب وقد علم الله عزّ وجلّ ان فرعون لا يتذكّر ولا يخشى الاّ عند رؤية البأس الا تسمع قول الله يقول
{ { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [يونس: 90] فلم يقبل الله ايمانه وَقالَ { { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ
} [يونس: 91]. وفي الكافي عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث له واعلم انّ الله جلّ ثناؤه قال لموسى حين ارسله الى فرعون { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَى } ولكن ليكون ذلك احرص لموسى على الذّهاب.
{ (45) قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } ان يعجّل علينا بالعقوبة ولا يصير الى اتمام الدّعوة واظهار المعجزة من فرط اذا تقدّم { أَوْ أَن يَطْغَى } ان يزداد طغياناً فيتخطّى الى ان يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته وقساوته واطلاقه من حسن الادب.
{ (46) قَالَ لاَ تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا } بالحفظ والنصرة { أَسْمَعُ وَأَرَى } ما يجري بينكما وبينه من قول او فعل فأحدث في كلّ حال ما يصرف شرّه عنكما ويوجب نصرتي لكما.
{ (47) فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ إِنّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائِيلَ } اطلقهم { وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } بالتكاليف الصعبة { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَبِّكَ } بمعجزة وبرهان { وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى } والسلامة من عذاب الله على المهتدين.
{ (48) إِنَّا قَدْ أُوْحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى } انّ العذاب على المكذّبين للرّسل.
{ (49) قَالَ فَمَن رَبُّكُمَا يَا مُوسَى } اي بعد ما اتياه وقالا له ما امرا به وانّما خاطب الاثنين وخصّ موسى بالنّداء لأنّه الاصل وهرون وزيره وتابعه او حمله خبثه على استدعاء كلام موسى دون كلام اخيه لما عرف من فصاحة هارون.
{ (50) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ } صورته وشكله الّذي يوافق المنفعة المنوطة به { ثُمَّ هَدَى } عرفه كيف يرتفق بما اعطى.
في الكافي عن الصّادق عليه السلام انّه سئل عن هذه الآية فقال ليس شيء من خلق الله الا وهو يعرف من شكله الذكر من الانثى سئل ما معنى ثم هدى قال هدى للنّكاح والسّفاح من شكله قيل وهو جواب في غاية البلاغة لاختصاره واعرابه عن الموجودات بأسرها عَلَى مراتبها ودلالته على انّ الغنيّ القادر بالذات المنعم على الاطلاق هو الله تعالى وانّ جميع ما عداهُ مفتقر اليه وعليه في ذاته وصفاته وافعاله لذلك بهت الّذي كفر فلم ير الاّ صرف الكلام عنه (ع).
{ (51) قَالَ فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى } فما حالهم من بعد موتهم من السّعادة والشقاوة.
{ (52) قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي } يعني انّه غيب لا يعلمه الاّ الله وانما انا عبد مثلك لا اعلم منه الا ما اخبرني به { فِي كِتَابٍ } مثبت في اللّوح المحفوظ { لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى } الضّلال ان يخطىء الشيء في مكانه فلم يهتد اليه والنّسيان ان يذهب بحيث لا يخطر بالبال.
{ (53) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً } وحصل لكم فيها سُبُلاً بين الجبال والاودية والبراري تسلكونها من ارض الى ارض لتبلغوا منافعها { وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ ماءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ } التفاوت من الغيبة الى التكلّم وله نظاير كثيرة في القرآن { أَزْوَاجاً } اصنافاً { مِّن نَبَاتٍ شَتَّى }
{ (54) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ } على ارادة القول { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى } لذوي العقول النّاهية عن اتّباع الباطل وارتكاب القبايح جمع نهية.
القمّي عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن هذه الآية فقال نحن والله اولوا النّهى.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال النبيّ صلّى الله عليه وآله
"انّ خياركم اولوا النّهى قيل يا رسول الله ومن اولوا النّهى قال اولوا الاخلاق الحسنة والاحلام الرزينة وصلة الارحام والبررة بالامّهات والآباء والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطّعام ويفشون السلام في العالم ويصلّون والنّاس نيام غافلون" .