التفاسير

< >
عرض

مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ
٥٥
وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ
٥٦
قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ
٥٧
فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى
٥٨
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى
٥٩
فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ
٦٠
قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ
٦١
فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ
٦٢
قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ
٦٣
فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ
٦٤
قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ
٦٥
قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ
٦٦
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ
٦٧
-طه

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (55) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } فانّ التراب اصل خلقة اوّل آبائكم واوّل موادّ ابدانكم { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } بالموت وتفكيك الأجزاء { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرى } بتأليف اجزائكم المفتتة المختلطة بالتّراب على الصّور السابقة وردّ الارواح اليها.
في الكافي عن الصادق عليه السلام انّ النطفة اذا وقعت في الرّحم بعث الله عزّ وجلّ ملكاً فأخذ من التربة الّتي يدفن فيها فماثها في النّطفة فلا يزال قلبه يحنّ اليها حتى يدفن فيها.
{ (56) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا } بصّرناه ايّاها وعرّفناه صحّتها { كُلَّهَا فَكَذَّبَ } من فرط عناده { وَأَبَى } الايمان والطاعة لعتوّه.
{ (57) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } ارض مصر { بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى } هذا تعلّل منه ويلوح من كلامه انّه خاف منه ان يغلبه على ملكه.
{ (58) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ } مثل سحرك { فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } وعداً { لاَ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَاناً سُوىً } قيل اي منتصفاً يستوي مسافته الينا واليك وقرىء بضمّ السّين.
{ (59) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ } وهو يوم عيد كان لهم في كلّ عام وانّما عيّنه ليظهر الحقّ ويزهق الباطل على رؤوس الأشهاد ويشيع ذلك في الاقطار { وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً } واجتماع النّاس في ضحىً.
{ (60) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } ما يكاد به من السّحرة وآلاتهم { ثُمَّ أَتَى } الموعد.
{ (61) قَالَ لَهُم مُوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً } بأن تدعوا آياته سحراً { فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ } فيهلككم ويستأصلكم به وقرىء بضم الياء { وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى }
{ (62) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ } قيل اي تنازعت السّحرة في امر موسى حين سمعوا كلامه فقال بعضهم ليس هذا من كلام السّحرة { وَأَسَرُّوا النَّجْوَى } يعني السحرة قيل كان نجواهم ان غلبنا موسى اتّبعناه وان كان ساحراً فسنغلبه وان كان من السّماء فله امر.
{ (63) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ } قال فرعون وقومه وهو على لغة بلحارث بن كعب فانّهم جعلوا الالف للتثنية واعربوا المثّنى تقديراً وقرىء ان هذان على انّها هي المخففة واللاّم هي الفارقة او النافية واللاّم بمعنى الاّ وقرىء هذين وهو ظاهر { يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم } بالاستيلاء عليها { بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقتِكُمُ الْمُثْلَى } بمذهبكم الّذي هو افضل المذاهب او بأهل طريقتكم ووجوه قومكم واشرافكم.
{ (64) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ } فازمعوه واجعلوا مجمعاً عليه لا يتخلّف عنه واحد منكم وقرىء فاجمعوا ويعضده قوله فجمع كيده { ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً } مصطفّين لأنّه اهيب في صدور الرائين قيل كانوا سبعين الفاً مع كلّ واحد حبل وعصا واقبلوا عليه اقبالة واحدة { وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى } فاز بالمطلوب من غلب.
{ (65) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمّا أَن نَكُونَ أَوّلَ مَنْ أَلْقَى } اي بعد ما اتوا مراعاة للادب.
{ (66) قَالَ بَلْ أَلْقُوا } مقابلة ادب بأدب وعدم مبالاة بسحرهم ولأن يأتوا بأقصى وسعهم ثم يظهر الله سلطانه فيقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه { فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } اي فألقوا فاذا قيل انّهم لطخوها بالزّيبق فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت فخيّل انّها تتحرّك وقرىء تخيّل بالتّاء على بناء الفاعل.
{ (67) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى } فأضمر فيها خوفاً.
في نهج البلاغة لم يوجس موسى خيفة على نفسه اشفق من غلبة الجهّال ودول الضّلال.