التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
٩١
إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ
٩٢
وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ
٩٣
فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ
٩٤
وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ
٩٥
حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ
٩٦
وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
٩٧
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
٩٨
لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ
٩٩
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ
١٠٠
-الأنبياء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (91) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا }
القمّي قال مريم لم ينظر اليها شيء { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُوحِنَا } قد سبق تحقيق معنى الرّوح في سورة الحجر { وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ } فانّ من تأمّل حالهما تحقّق كمال قدرة الصانع تعالى.
{ (92) إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ } ملّتكم وهي ملّة الاسلام والتوحيد { أُمّةً وَاحِدَةً } غير مختلفة فيما بين الانبياء { وَأَنَا رَبُّكُمْ } لا اله لكم غيري { فَاعْبُدُونِ } لا غيري.
{ (93) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ } تفرّقوا في الدين وجعلوا امره قطعا موزّعة { كُلٌّ } من الفرق المتجزّية { إِلَيْنَا راجِعُونَ } فنجازيهم.
{ (94) فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله ورسله { فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } فلا تضييع لسعيه استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لاعطائه { وَإِنَّا لَهُ } لسعيه { كَاتِبُونَ } مثبتون في صحيفة عمله.
{ (95) وَحَرامٌ عَلَى قَرْيَةٍ } ممتنع عل اهلها غير متصوّر منهم وقرء حرم بكسر الحاء وسكون الرّاء { أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } قيل اي حرام رجوعهم الى الدنيا أو الى التوبة ولا مزيدة وقيل اي حرام عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ وحرام خبره.
في الفقيه في خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه السلام الم تروا الى الماضين منكم لا يرجعون والى الخلف الباقين منكم لا يبقون قال الله تعالى { وَحَرامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ } وهذا ناظر الى المعنى الأوّل ويؤيّده القراءة بالكسر في الشّواذّ كما انّها تؤيّد المعنى الثاني ايضاً والقراءة بالفتح المشهورة تؤيّد المعنى الثالث.
والقمّي عنهما عليهما السلام قالا كلّ قرية اهلك الله عزّ وجلّ اهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام قال كلّ قرية اهلكها الله بعذاب فانّهم لا يرجعون.
{ (96) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ } وقرء بالتشديد { يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ } سدّهما.
القمّي قال اذا كان في آخر الزّمان خرج يأجوج ومأجوج الى الدنيا ويأكلون النّاس { وَهُم مِن كُلِّ حَدَبٍ } نشز من الأرض { يَنسِلُونَ } يسرعون.
{ (97) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا } جواب الشرط واذا للمفاجأة { يَا وَيْلَنَا } مقدّر بالقول { قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا } لم نعلم انّه حقّ { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } لانفسنا بالاخلال بالنظر والاعتداء بالنّذر.
{ (98) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } يرمى به اليها ويهيج به من حصبه يحصبه اذا رماه بالحصباء والقمّي يقذفون فيها قذفاً.
وفي المجمع وقراءة عليّ حطب بالطاء { أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } عوّض اللاّم من على للاختصاص والدلالة على انّ ورودهم لأجلها.
{ (99) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدونَ } لا خلاص لهم عنها.
{ (100) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } انين وتنفّس شديد { وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ }
في قرب الاسناد عن الصادق عن ابيه عليهما السلام انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال
"انّ الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكلّ شيء يُعبد من دونه من شمس او قمر او غير ذلك ثم يسئل كل انسان عمّا كان يعبد فيقول كلّ من عبد غير الله ربّنا انّا كنّا نعبدها لتقرّبنا اليك زلفى قال فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة اذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون الى النار وما خلا من استثنيت فأُولئك عنها مبعدون" .
وفي العلل عنه عليه السلام اذا كان يوم القيامة اتِي بالشّمس والقمر في صورة ثَورين فيقذف بهما وبمن يعبدهما في النار ذلك انهما عبدا فرضياً.
أَقولُ: ويأتي تأويل هذا الحديث في سورة الرّحمن.
والقمّي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الآية وجد منها اهل مكة وجداً شديداً فدخل عليهم عبد الله بن الزَبعرى وكفّار قريش يخوضون في هذه الآية فقال ابن الزِّبعرى اتكلّم محمّد صلّى الله عليه وآله بهذه الآية قالوا نعم قال ابن الزبعرى لئن اعترف بها لأخصمنه فجمع بينهما فقال يا محمد أرأيت الآية الّتي قرأت آنفاً فينا وفي آلهتنا خاصّة ام في الامم وآلهتهم قال بلى فيكم وفي آلهتكم وفي الامم وآلهتهم الاّ من استثنى الله فقال ابن الزِّبعرى خصمتك والله الست تثني على عيسى (ع) خيراً وقد عرفت انّ النصارى يعبدون عيسى واُمّه، وان طائفة من الناس يعبدون الملائكة اَفليس هؤلاء مع الآلهة في النار فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله لافضجّت قريش وضحكوا قالت قريش خصمتك ابن الزِّبعرى فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله قلتم الباطل اما قلت الاّ من استثنى الله وهو قوله { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } الى قوله { أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ }.