التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً
٣١
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً
٣٢
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
٣٣
ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٣٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً
٣٥
فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
٣٦
وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً
٣٨
وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً
٣٩
-الفرقان

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (31) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ } كما جعلناه لك فاصبر كما صبروا { وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا } لك عليهم وقد سبق في المقدّمة السادسة حديث من الإِحتجاج فيه بيان لهذه الآية.
{ (32) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ } اي انزل عليه كخبر بمعنى اخبر لئلاّ يناقض قوله { جُمْلَةً وَاحِدَةً } دفعة واحدة كالكتب الثلاثة { كَذَلِكَ لنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } اي كذلك انزلناه مفرّقاً لنقوّي بتفريقه فؤادك على حفظه وفهمه ولأنَّه اذا انزل به جبرئيل حالاً بعد حال يثبت به فؤادك { وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } وقرأناه عليك شيئاً بعد شيء على تؤدة وتمهّل في عشرين سنة.
{ (33) وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } سؤال عجيب كأنّه مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوّتك { إلاّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ } الدّامغ له في جوابه { وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا } وبما هو احسن بياناً ومعنى من سؤالهم.
{ (34) الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلاً }.
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله انّه سئل كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة قال انّ الذي امشاه على رجليه قادر ان يمشيه على وجهه يوم القيامة.
{ (35) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا } يؤازره في الدّعوة واعلاء الكلمة.
{ (36) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا } يعني فرعون وقومه { فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا } اي فذهبا اليهم فكذّبوهما فدمّرناهم.
وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام { فَدَمّرانهم } على التأكيد بالنون الثقيلة وفي رواية فدمّراهم قال وهذا كأنّه امر لموسى وهارون ان يدمّراهم.
{ (37) وَقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ } بالطوفان { وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيةً }عبرة { وَأَعْتَدْنَا لِلظّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا }.
{ (38) وَعَادًا وَثَمُودَاْ } وجعلنا عاداً وثمود ايضاً { وَأَصْحَابَ الرَّسِ وَقُرُونًا } واهل اعصار { بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا } لا يعلمها الاّ الله.
{ (39) وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ } بَيّنا له القصص العجيبة من قصص الأوّلين اعذاراً وانذاراً فلمّا اصرّوا اهلكوا كما قال { وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا } فتنّاه تفتيناً ومنه التّبر لفتات الذهب والفضة.
وفي المعاني والقمّي عن الصادق عليه السلام يعني كسّرنا تكسيراً وزاد القمّي قال هي لفظة بالنبطيّة.
في العيون والعلل عن الرضا عن ابيه عن ابيه عن ابيه عن ابيه عن ابيه الحسين ابن علي عليه السلام قال اتى عليّ بن ابي طالب عليه السلام قبل مقتله بثلاثة ايّام رجل من اشراف تميم يقال له عمرو فقال يا امير المؤمنين اخبرني عن اصحاب الرّس في ايّ عصر كانوا واين كانت منازلهم ومن كان ملكهم وهل بعث الله اليهم رسولاً ام لا وبما اذا اهلكوا فأنّى اجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا اجد خبرهم فقال عليّ عليه السلام لقد سئلت عن حديثٍ ما سألني عنه احد قبلك ولا يحدّثك به احد بعدي الاّ عنّي وما في كتاب الله تعالى آية الاّ وانا اعرفها واعرف تفسيرها وفي أيّ مكان نزلت من سهل او جبل وفي ايّ وقت من ليل او نهار وانّ هنا لعلماً جمّاً واشار الى صدره ولكن طلاّبه يسيروا عن قليل تندمون لو فقدتموني كان من قصصهم يا اخا تميم انّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبر يقال له شاه دَرخت كان يافث بن نوح غرسها على شفيرة عين يقال لها روشاب كانت انبتت لنوح بعد الطّوفان وانّما سمّوا اصحاب الرسّ لأنّهم رسّوا نبيّهم في الارض وذلك بعد سليمان بن داود وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال له الرسّ من بلاد المشرق وبهم سمّي ذلك النّهر ولم يكن يومئذ في الأرض نهر اغزر منه ولا اعذب منه ولا قرى اكثر ولا اعمر منها تسمّى احداهنّ ابان والثانية آذر والثالثة دي والرّابعة بهمن والخامسة اسفندار والسادسة فروردين والسابعة اردى بهشت والثامنة خرداد والتاسعة مرداد والعاشرة تير والحادية عشر مهر والثانية عشر شهريور وكانت اعظم مداينهم اسفندار وهي التي ينزلها ملكهم وكان يسمّى تركود بن غابور بن يارش بن سادن بن نمرود بن كنعان فرعون ابراهيم (ع) وبها العين والصنوبرة وقد غرسوا في كلّ قرية منها حبّة من طلع تلك الصنوبرة فنبتت الحبّة وصارت شجرة عظيمة وحرّموا ماء العين والانهار ولا يشربون منها ولا انعامهم ومن فعل ذلك قتلوه ويقولون هو حياة آلهتنا فلا ينبغي لأحد ان ينقص من حياتها ويشربون هم وانعامهم من نهر الرسّ الذي عليه قراهم وقد جعلوا في كلّ شهر من السنة في كلّ قرية عيداً يجتمع اليه اهلها فيضربون على الشجرة التي بها كِلّة من حرير فيها من انواع الصّور ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونهما قرباناً للشجرة ويشعلون فيها النيران بالحطب فاذا سطع دخان تلك الذبايح وقتارها في الهواء وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خرّوا سجّداً للشجرة يبكون ويتضرّعون اليها ان ترضى عنهم وكان الشيطان يجيء فيحرّك اغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبيّ انّي قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفساً وقرّوا عيناً فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدّست بند فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ثم ينصرفون وإنّما سمّت العجم شهورها بابان ماه وآذر ماه وغيرهما اشتقاقاً من اسماء تلك القرى لقول اهلها بعضهم لبعض هذا عيد شهر كذا وعيد شهر كذا حتّى اذا كان عيد قريتهم العظمى اجتمع إليه صغيرهم وكبيرهم فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقاً من ديباجٍ عليه انواع الصور له اثنا عشر باباً كلّ باب لأهل قرية منهم ويسجدون للصنوبرة خارجاً من السّرادق ويقربون لها الذبايح اضعاف ما قرّبوا للشجرة التي في قراهم فيجيء ابليس عند ذلك فيحرّك الصنوبرة تحريكاً شديداً ويتكلّم من جوفها كلاماً جهوريّاً ويعدهم ويمنّيهم بأكثر ممّا وعدتهم ومنّتهم الشياطين كلّها فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلّمون من الشرب والعزف فيكونون على ذلك اثني عشر يوماً ولياليها بعدد اعيادهم سائر السنة ثم ينصرفون فلمّا طال كفرهم بالله عزّ وجلّ وعبادتهم غيره بعث الله سبحانه إليهم نبيّاً من بني إسرائيل من ولد يهود بن يعقوب فلبث فيهم زماناً طويلاً يدعوهم إلى عبادة الله عزّ وجلّ ومعرفته وربوبيته فلا يتّبعونه فلمّا رأى شدّة تماديهم في الغيّ والضّلال وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح وحضر عيد قريتهم العظمى قال يا ربّ انّ عبادك ابوا الاّ تكذيبي والكفر بك وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضرّ فأيبس شجرهم اجمع وارهم قدرتك وسلطانك فأصبح القوم وقد يبس شجرهم فهالهم ذلك وقطع بهم وصاروا فرقتين فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرّجل الذي يزعم انّه رسول اِله السماء والأرض اليكم ليصرف وجوهكم عن آلهتكم الى الهه وفرقة قالت لا بل غضب آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم الى عبادة غيرها فحجبت حسنها وبهائها لكي تغضبوا عليه فتضرّوا منه فأجمع رأيهم على قتله فاتّخذوا انابيب طوالاً من رصاص واسعة الافواه ثمّ ارسلوها في قرار العين الى اعلى الماء واحدة فوق الاخرى مثل اليراع ونزحوا ما فيها من الماء ثمّ حفروا في قرارها بئر ضيّقة المدخل عميقة وارسلوا فيها نبيّهم والقموا فاها صخرة عظيمة ثم اخرجوا الانابيب من الماء وقالوا نرجو الآن ان ترضى عنّا آلهتنا اذا رأت انّا قد قتلنا من كان يقع فيها ويصدّ عن عبادتها ودفنّاه تحت كبيرها يتشفّى منه فيعود لنا نورها ونضرتها كما كان فبقوا عامّة يومهم يسمعون انين نبيّهم وهو يقول سيّدي قد ترى ضيق مكاني وشدّة كربي فارحم ضعف ركني وقلّة حيلتي وعجّل بقبض روحي ولا تؤخّر اجابة دعوتي حتّى مات فقال الله تعالى لجبرئيل يا جبرئيل ايظنّ عبادي هؤلاء الذين غرّهم حلمي وأمنوا مكري وعبدوا غيري وقتلوا رسولي ان يقوموا لغضبي ويخرجوا من سلطاني كيف وانا المنتقم ممّن عصاني ولم يخش عقابي وانّي حلفت بعزّتي لأجعلنّهم عبرة ونكالاً للعالمين فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك الاّ بريح عاصفة شديدة الحمرة فتحيّروا فيها وذعروا منها وتضام بعضهم الى بعض ثم صارت الارض من تحتهم حجر كبريت تتوقّد واظلّتهم سحابة سوداء فألقت عليهم كالقبّة جمراً يلتهب فذابت ابدانهم كما يذوب الرّصاص في النّار فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ولا حول ولا قوّة الاّ بالله العليّ العظيم، والقمّي الرسّ نهر بناحية آذربايجان.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انّه دخل عليه نسوة فسألته امرأة منهنّ عن السّحق فقال حدّها حدّ الزاني فقالت المرأة ما ذكر الله عزّ وجلّ ذلك في القرآن فقال بلى فقالت واين هو قال هنّ اصحاب الرسّ.
والقمّي عنه عليه السلام قال دخلت امرأة مع مولاة لها على ابي عبد الله عليه السلام فقالت ما تقول في اللّواتي مع اللّواتي قال هنّ في النار اذا كان يوم القيامة اتي بهنّ فألبسن جلباباً من نار وخفّين من نار وقناعاً من نار وادخل في اجوافهنّ وفروجهنّ اعمدة من نار وقذف بهنّ في النار فقالت ليس هذا في كتاب الله قال نعم قالت أين هو قال قوله وعاداً وثمود واصحاب الرسّ فهنّ الرسّيّات.
وفي المجمع عنهما عليهما السلام انّ سحق النساء كان في اصحاب الرسّ وبلفظ آخر كان نساؤهم سحّاقات.