التفاسير

< >
عرض

وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ
٨٢
تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
٨٣
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٨٤
إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
٨٥
وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ
٨٦
وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ
٨٧
وَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٨٨
-القصص

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (82) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ } منزلته { بِالأَمْسِ } منذ زمان قريب { يَقُولُونَ وَيْكَاَنَّ اللهَ } القمّي قال هي لغة سريانيّة { يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ } بمقتضى مشيّته لا لكرامة تقتضي البسط ولا لهوان يوجب القبض { لَوْلاَ أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا } فلم يعطنا ما تمنّينا { لَخُسِفَ بِنَا } لتوليده فينا ما ولّده فيه فخسف به لأجله وقرء بفتح الخاء والسين { وَيْكَاَنَّه لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ } لنعمة الله.
{ (83) تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ } التي سمعت خبرها وبلغك وصفها { نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الأرْضِ } غلبة وقهراً { وَلاَ فَسَادًا } ظلماً على الناس.
في المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام انّه كان يمشي في الاسواق وهو وال يرشد الضّالّ ويعين الضعيف ويمرّ بالبيّاع والبقّال فيفتح عليه القرآن ويقرء هذه الآية ويقول نزلت في اهل العدل والتواضع من الولاة واهل القدرة من سائر النّاس وعنه عليه السلام قال الرجل ليعجبه شراك نعله فيدخل في هذه الآية وفي رواية انّ الرجل ليعجبه ان يكون شراك نعله اجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها والقمّي عن الصادق عليه السلام العلوّ الشّرف والفساد النّباء.
وعنه عليه السلام انّه قال لحفص بن غياث يا حفص ما منزلة الدنيا من نفسي الاّ بمنزلة الميتة اذا اضطررت اليها اكلت منها يا حفْص انّ الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون والى ما هم صايرون فحلم عنهم عند اعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم فلا يغرّنك حسن الطلب ممّن لا يخاف الفوت ثمّ تلا قوله تلك الدّار الآخرة الآية وجعل يبكي ويقول ذهبت والله الاماني عند هذه الآية فاز والله الابرار تدري من هم هُم الذين لا يؤذون الذرّ كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً الحديث { وَالْعَاقِبَةُ } المحمودة { لِلْمُتَّقِينَ } من اتّقى ما لا يرضاه الله.
{ (84) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا } ذاتاً وقدراً ووصفاً وقد مضى في هذه الآية حديث في آخر سورة الانعام وفي نظرها في آخر سورة النّمل { وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ } وضع فيه الظاهر موضع الضمير تهجينا لحالهم بتكرير اسناد السيّئة اليهمْ { إِلاّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } مثل ما كانوا يعملون حذف المثل مبالغة في المماثلة.
{ (85) إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } ايّ معاد.
القمّي عن السجّاد قال يرجع اليكم نبيّكم وامير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام.
عن الباقر عليه السلام انّه ذكر عنده جابر فقال رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه انّه كان يعرف تأويل هذه الآية يعني الرّجعة { قُلْ رَبِّى أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِى ضَلاَلٍ مُبِينٍ } يعني به نفسه والمشركين.
{ (86) وَما كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ } ولكن القاه رحمة منه { فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ } قيل بمداراتهم والتحمّل عنهم والإِجابة إلى طلبتهم.
والقمّي قال المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وآله والمعنى للنّاس.
{ (87) وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } إلى عبادته وتوحيده { وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }
{ (88) وَلاَ تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهًا آخَر }
القمّي المخاطبة للنبيّ صلى الله عليه وآله والمعنى للنّاس وهو قول الصادق عليه السلام انّ الله بعث نبيّه بايّاك اعني واسمعي يا جارة { لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ }
في الكافي عن الصادق عليه السلام انّما عني بذلك وجه الله الذي يؤتى منه.
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام انّ الله عزّ وجلّ اعظم من ان يوصف بالوجه لكن معناه كلّ شيء هالك الاّ دينه والوجه الذي يؤتى منه.
أقولُ: يعني بالوجه الذي يؤتى منه الذي يهدي العباد الى الله تعالى والى معرفته من نبيّ او وصيّ او عقل كامل بذلك وفيٍّ فانّه وجه الله الذي يؤتى الله منه وذلك لأنّ الوجه ما يواجه به والله سبحانه انّما يواجه عباده ويخاطبهم بواسطة نبيّ او وصيّ او عقل كامل.
وفي التوحيد عن الصادق عليه السلام قال كلّ شيء هالك الاّ من اخذ طريق الحقّ وعنه عليه السلام من اتى الله بما امره من طاعة محمد والأئمّة صلوات الله عليهم من بعده فهو الوجه الذي لا يهلك ثم قرء ومن يطع الرسول فقد اطاع الله.
وفي الكافي عنه عليه السلام ما في معناه والمراد انّ كلّ مطيع لله ولرسوله متوجّه الى الله فهو باق في الجنان ابد الآبدين وهو وجه الله في خلقه به يواجه الله تعالى عباده ومن هو بخلافه فهو في النيران مع الهالكين وقراءة الآية اشارة الى انّ طاعته للرّسول توجّه منه الى الله والى وجهه وتوجّه من الله تعالى الى خلقه وهو السبب في تسميته وجه الله واضافته اليه.
وفي التوحيد عنه عليه السلام نحن وجه الله الذي لا يهلك.
وعنه عليه السلام الاّ وجهه قال دينه وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام دين الله ووجهه وعينه في عباده ولسانه الذي ينطق به ويده على خلقه ونحن وجه الله الذي يؤتى منه لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم رؤية قيل وما الرّؤية قال الحاجة فاذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا اليه وصنع بنا ما احبّ.
والقمّي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال فيفنى كلّ شيء ويبقى وجه الله اعظم من ان يوصف ولكن معناه كلّ شيء هالك الاّ دينه ونحن الوجه الذي يؤتى منه لن نزال في عباده.
اجلّ واعظم من ذلك وانّما وفي الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام المراد كلّ شيء هالك الاّ دينه لأنّ المحال ان يهلك منه كلّ شيء ويبقى الوجه هو وذكر مثل ما في التوحيد يهلك من ليس منه الا ترى انّه قال كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ففصّل بين خلقه ووجهه.
أقول: وورد في حديث آخر عنهم عليهم السلام ان الضمير في وجهه راجع الى الشيء وعلى هذا فمعناه انّ وجه الشّيء لا يهلك وهو ما يقابل منه الى الله وهو: روحه وحقيقته وملكوته ومحلّ معرفة الله منه التي تبقى بعد فناء جسمه وشخصه والمعنيان متقاربان وربّما يفسّر الوجه بالذّات وليس بذلك البعيد { لَهُ الْحُكْمُ } القضاء النّافذ في الخلق { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } للجزاء بالحقّ قد سبق ثواب قراءة هذه السورة في آخر سورة الشعراء.