التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ
١٥٥
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١٥٦
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
١٥٧
وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ
١٥٨
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ
١٥٩
إِن يَنصُرْكُمُ ٱللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنْ بَعْدِهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٦٠
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (155) إنَّ الَّذِينَ تَوَلّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } انهزموا يوم أُحد والجمعان جمع المسلمين وجمع المشركين { إنَّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ } حملهم على الزلة { بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا } من معصيتهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم بترك المركز والحرص على الغنيمة وغير ذلك فمنعوا التأييد وقوة القلب.
العياشي عن الصادق عليه السلام قال هم أصحاب العقبة { وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ } لتوبتهم واعتذارهم { انَّ اللهَ غَفُورٌ } للذنوب { حَلِيمٌ } لا يعاجل بعقوبة المذنب كي يتوب.
{ (156) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا } يعني المنافقين { وَقَالوا لإِخْوَانِهِمْ } لأجلهم وفيهم { إِذا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ } إذا سافروا فيها فماتوا { أَوْ كَانُوا غُزًّى } أي غازين فقتلوا { لَوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } اللام للعاقبة مثلها في ليكون لهم عدواً وحزناً { وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } رد لقولهم أي هو المحيي والممميت لا الإقامة والسفر فانه تعالى قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد { وَاللهُ بَمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم وعلى قراءة الياء وعيد للذين كفروا.
{ (157) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ } في سبيله وقرئ بكسر الميم { لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } وقرئ بالتاء أُقيم جواب القسم مقام الجزاء والمعنى ان السفر والغزاة ليسا مما يجلب الموت أو يقدم الأجل وان وقع ذلك في سبيل الله فما تنالون من المغفرة والرحمة بالموت خير مما تجمعون من الدنيا وما فيها ومنافعها لو لم تموتوا أو لم تقتلوا.
{ (158) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } على وجه اتفق { لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ } في جميع الأحوال.
في المعاني والعياشي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية أن سبيل الله علي وذريته من قتل في ولايته قتل في سبيل الله ومن مات في ولايته مات في سبيل الله وقد سبق حديث في الفرق بين الموت والقتل عند تفسير قوله أَفَإن مات أو قتل انقلبتم من هذه السورة.
{ (159( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ } ما مزيدة للتأكيد بلغ لينه إلى أن اغتم لهم بعد أن خالفوه { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً } سيء الخلق جافياً { غَلِيْظَ الْقَلْبِ } قاسيه { لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } لتفرقوا عنك ولم يسكنوا إليك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } فيما يختص بك { وَاستَغْفِرْ لَهُمْ } فيما لله { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } في أمر الحرب وغيره مما يصح أن يشاور فيه استظهاراً برأيهم وتطييباً لنفوسهم وتمهيداً لسنة المشاورة للأمة.
عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم
"لا وحدة أوحش من العجب ولا مظاهرة أوثق من المشاورة" .
وفي نهج البلاغة من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها، وفيه الإِستشارة عين الهداية وقد خاطر من استغنى برايه.
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام وشاورهم في أمرك الذين يخشون الله.
والعياشي كتب الجواد إلى علي بن مهزيار ان سل فلاناً أن يشير علي ويتخير لنفسه فهو يعلم ما يجوز في بلده وكيف يعامل السلاطين فان المشاورة مباركة قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وآله وسلم في محكم كتابه وتلا هذه الآية قال وشاورهم في الأمر يعني الاستخارة { فَإِذَا عَزَمْتَ } فإذا وطّنت نفسك على شيء بعد الشورى { فَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ } في امضاء أمرك على ما هو أصلح لك فانه لا يعلمه سواه، وروت العامة عن الصاد عليه السلام فإذا عزمت بضم التاء أي فإذا عزمت لك ووفقتك وارشدتك { إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } فينصرهم ويهديهم إلى الصلاح.
{ (160) إنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ } كما نصركم يوم بدر { فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ } فلا أحد يغلبكم { وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ } كما خذلكم يوم أُحد { فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } لا ناصر لكم من بعد الله إذا جاوزتموه ومن بعد خذلانه { وَعَلى اللهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } فليخصوه بالتوكل لما آمنوا به وعلموا أن لا ناصر سواه.