التفاسير

< >
عرض

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
٧٩
وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ وَٱلنَّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ
٨٠
وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٨١
-آل عمران

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (79) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ } في المجمع قيل أن ابا رافع القرظي والسيد النجراني قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتّخذك رباً فقال معاذ الله ان يعبد غير الله وأن نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت { وَلَكِنْ كُونُوا رَبّانيِّينَ } ولكن يقول كونوا ربّانيين والرّباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل في العلم والعمل.
والقمّي أي ان عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم وكونوا عباداً لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربّانيين اي علماء.
{ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } بسبب كونكم معلمين الكتاب ودارسين له فإن فائدة التعليم والتعلّم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل، وقرئ بالتخفيف اي بسبب كونهم عالمين.
في العيون عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قال
"لا ترفعوني فوق حقي فان الله تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً" ثم تلا هذه الآية.
وعن أمير المؤمنين يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي محب مفرط ومبغض مفرط وانا لبراء إلى الله تعالى ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى.
{ (80) وَلاَ يَأْمُرُكُمْ } وقرئ بنصب الراء { أَنْ تَتّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأَمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُم مُسْلِمُونَ } القمّي كان قوم يعبدون الملائكة وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب واليهود قالوا عزير ابن الله فقال الله ولا يأمركم الاية.
{ (81) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيْثَاقَ النّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ } وقرئ بكسر اللام وآتيناكم { مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ } في الجوامع والمجمع عن الصادق عليه السلام وإذا أخذ الله ميثاق امم النبيين كل امة بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوا كثيراً من شرائعهم وحرّفوا كثيراً منها.
والعياشي عن الباقر عليه السلام ما في معناه مبسوطاً وقال هكذا انزلها الله يعني طرح منها.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام ان الله تعالى أخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبيّنا ان يخبروا اممهم بمبعثه ونعته ويبشّروهم به ويأمروهم بتصديقه.
وعنه عليه السلام انه قال لم يبعث الله نبياً آدم ومن بعده الا أخذ عليه العهد لئن بعث محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرنه وامره ان يأخذ العهد بذلك على قومه.
والقمّي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما بعث الله نبياً من لدن آدم فهلم جرّاً الا ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين وهو قوله لتؤمنن به يعني رسول الله ولتنصرنّه يعني أمير المؤمنين عليهما السلام.
وفي كتاب الواحدة عن الباقر عليه السلام قال قال أمير المؤمنين عليه السلام ان الله تعالى احد واحد تفرد في وحدانيته تعالى ثم تكلم بكلمة فصارت نوراً ثم خلق من ذلك النور محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم وخلقني وذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحاً فأسكنه الله في ذلك النور واسكنه في ابداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجب على خلقه فما زلنا في ظلّة خضراء لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدّسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق خلقه وأخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه } يعني لتؤمنن بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم ولتنصرن وصيه وسينصرونه جميعاً وان الله اخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلّى الله عليه وآله وسلم بنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمداً وجاهدت بين يديه وقتلت عدوّه ووفيت لله بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصروني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمد صلّى الله عليه وآله وسلم كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعاً فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبّون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد اظلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم واتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل
{ { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً } [النور: 55] أي يعبدونني آمنين لا يخافون أحداً في عبادتي ليس عندهم تقيّة وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وانا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وانا قرن من حديد. الحديث بطوله.
{ قَالَ أَقْرَرْتُمْ وَأَخَذتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إصْرِي } أي عهدي { قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } القمّي عن الصادق عليه السلام قال لهم في الذرّ أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال الله للملائكة فاشهدوا.
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال أقررتم وأختم العهد بذلك على اممكم قالوا اي قال الأنبياء واممهم اقررنا بما أمرتنا بالاقرار به قال الله فاشهدوا بذلك على اممكم وانا معكم من الشاهدين عليكم وعلى اممكم.