{ (87) أوْلئك جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ والْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ }.
{ (88) خَالِدِينَ فِيْهَا لاَ يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ }.
{ (89) إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ } يقبل توبتهم
{ رَحِيمٌ } يتفضّل عليهم.
في المجمع عن الصادق عليه السلام نزلت الآيات في رجل من الأنصار
يقال له الحارث ابن سويد بن الصامت وكان قتل المحذّر بن زياد البلوي غدراً
وهرب وارتدّ عن الإسلام ولحق بمكة فندم فأرسل إلى قومه ان اسألوا رسول الله
صلّى الله عليه وآله وسلم هل لي من توبة فسألوا فنزلت فحملها رجل من قومه
إليه فقال إني لأعلم انك لصدوق وان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أصدق
منك وان الله تعالى اصدق الثلاثة ورجع إلى المدينة وتاب وحسن اسلامه.
{ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيْمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً } كاليهود كفروا بعيسى
والانجيل بعد الإيمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلّى الله عليه وآله
وسلم والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفراً بالاصرار
والعناد والطعن فيه والصد عن الإيمان ونقض الميثاق وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة
ثم ازدادوا كفراً بقولهم نتربص بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم ريب المنون أو
نرجع إليه وننافقه باظهار التوبة { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } لأنها لا تكون عن الاخلاص أو
لأنها لا تكون إلا عند اليأس ومعاينة الموت { وَاوْلئك هُمُ الضَّالُّونَ } الثابتون على
الضلال.
{ (91) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كفّارٌ فَلَنْ يُقبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ
ذَهَباً } ما يملؤا الأرض من الذهب { وَلَوِ افْتَدَى بِهِ } نفسه من العذاب قيل تقديره فلن
يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهباً ويحتمل أن يكون المراد فلن
يقبل من أحدهم انفاقه في سبيل الله بملء الأرض ذهباً في الدنيا ولو كان على
وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر { اولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِيْنَ }.
{ (92) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ } لن تبلغوا حقيقته ولا تكونوا ابراراً { حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا
تُحِبُّونَ } من المال والجاه والمهجة وغيرها في طاعة الله.
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما
تحبّون قال هكذا فاقرأها.
وفي المجمع اشترى عَليٌّ صلوات الله وسلامه عليه ثوباً فأعجبه فتصدق به
وقال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول "من آثر على نفسه آثره الله
يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئاً فجعله الله قال الله يوم القيامة قد كان العباد
يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا أكافيك اليوم بالجنة" .
وعن الحسين بن علي والصادق صلوات الله عليهم انهما كانا يتصدقان
بالسكر ويقولان انه أحب الأشياء الينا وقد قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا
مما تحبون { وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ } محبوب أو غيره { فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } فيجازيكم
بحسبه.
{ (93) كُلُّ الطّعَامِ } أي الطعومات { كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إسْرَائِيْلَ } كان اكلها حلالاً
لهم والحل مصدر نعت به { إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيْلُ } يعقوب { عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تُنَزَّلَ التّوْرَاةُ }.
في الكافي والعياشي: عن الصادق عليه السلام ان إسرائيل كان إذا أكل
من لحم الإبل هيّج عليه وجع الخاصرة فحرّم على نفسه لحم الإبل وذلك قبل
أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله.
اقول: يعني لم يحرّمه موسى ولم يأكله أو لم تحرّمه التوراة ولم يؤكّلْه أي
اهمل ولم يندب إلى أكله من التأكيل.
والقمي ان يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرّم على نفسه لحم الجمل
فقالت اليهود الجمل محرّم في التوراة فقال الله عز وجل لهم قل فأتوا بالتوراة
فاتلوها ان كنتم صادقين إنما حرّم هذا اسرائيل على نفسه ولم يحرّمه على
الناس. ومحصّل المعنى أنّ المطاعم كلّها لم تزل حلالاً لبني إسرائيل من قبل
انزال التوراة وتحريم ما حرّم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شيء قبل
ذلك غير المطعوم الذي حرّمه اسرائيل على نفسه وهذا ردّ على اليهود حيث
أرادوا براءة ساحتهم ممّا نطق به القرآن من تحريم الطّيبات عليهم لبغيهم
وظلمهم في قوله ذلك جزيناهم ببغيهم. وقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا
عليهم طيّبات ما أحلّت لهم فقالوا لسنا بأوّل من حرّمت عليه وقد كانت محرمة على
نوح وإبراهيم ومن بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التحريم الينا فكذَبهم الله
{ قُلْ فَأَتُوْا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أمر بمحاجّتهم بكتابهم وتبكيتهم بما
فيه حتّى يتبيّن أنّه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما زعموا
فلم يجبروا على اخراج التوراة فبهتوا.