التفاسير

< >
عرض

وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَيُحْيِي بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٤
وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
٢٥
وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ
٢٦
وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٧
ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَلْ لَّكُمْ مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
٢٨
بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٩
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ
٣٠
-الروم

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (24) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا } من الصاعقة وللمسافر { وَطَمَعًا } في الغيب وللمقيم { وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِى بِهِ الأَرْضَ } بالنبات { بَعْدَ مَوْتِهَا } يبسها { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم في استنباط اسبابها وكيفيّة تكوّنها ليظهر لهم كمال قدرة الصانع وحكمته.
{ (25) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ } قيامهما بإقامته لها وإرادته لقيامهما { ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } ثم خروجكم من القبور بغتة إذا دعاكم من الأرض دعوة واحدة بلا توقف.
{ (26) وَلَهُ مَنْ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ } منقادون لفعله فيهم لا يمتنعون عليه.
{ (27) وَهُوَ الَّذِى يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ } بعد هلاكهم { وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } والاعادة اسهل عليه من الابداء بالإِضافة الى قُدركم والقياس على اصولكم والاّ فهما عليه سواء { وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى } الوصف العجيب الشأن الذي ليس لغيره ما يساويه او يدانيه.
في التوحيد عن الصادق عليه السلام
{ { وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ } [النحل: 60] الَّذِى لا يشبهه شيء ولا يوصف ولا يتوهّم فذلك المثل الأعلى.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام وانت المثل الأعلى وفي رواية انّه قال في آخر خطبته نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى والمثل الأعلى وفي الزيارة الجامعة الجواديّة (ع) السَّلام على أئمّة الهدى الى قوله وورثة الأنبياء والمثل الأعلى { فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } يصفه به ما فيهما دلالة ونطقاً { وَهُوَ الْعَزِيزُ } القادر الذي لا يعجز عن إبداء واعادة { الْحَكِيمُ } الذي يجري الافعال على مقتضى حكمته.
{ (28) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ } منتزعاً من احوالها التي هي اقرب الامور اليكم { هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } من مماليككم { مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ } من الاموال وغيرها { فََأنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } فتكونون انتم وهم فيه سواء يتصرّفون فيه كتصرفكم مع انهم بشر مثلكم وانها معارة لكم { تَخَافُونَهُمْ } ان تستبدّوا بتصرّف فيه { كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ } نبيّنها فانّ التمثيل ممّا يكشف المعاني ويوضحها { لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } يستعملون عقولهم في تدبير الامثال.
والقمّي كان سبب نزولها ان قريشاً والعرب كانوا اذا حجّوا يلبّون وكانت تلبيتهم لبّيك اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك انّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهي تلبية ابراهيم والأنبياء فجاءهم ابليس في صورة شيخ وقال لهم ليست هذه تلبية اسلافكم قالوا وما كانت تلبيتهم قال كانوا يقولون لبّيك اللّهمّ لبّيك لا شريك لك الاّ شريكاً هو لك فتفرّق القريش من هذا القول فقال لهم ابليس على رِسْلكم حتّى اتى على آخر كلامه فقالوا ما هو قال الاّ شريك هو لك تملكه وما يملكك الا ترون انّه يملك الشريك وما ملكه فرفضوا بذلك وكانوا يلبّون بهذا قريش خاصّة فلمّا بعث الله عزّ وجلّ رسوله انكر ذلك عليهم وقال هذا شرك فأنزل الله عزّ وجلّ { ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ } اي ترضون انتم فيما تملكون ان يكون لكم فيه شريك واذا لم ترضوا انتم ان يكون لكم فيما تملكون شريك فكيف ترضون ان تجعلوا اليَّ شريكاً فيما املك.
{ (29) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } بالإِشراك { أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ } جاهلين لا يكفهم شيء فإنّ العالم اذا اتّبع هواه ردعه علمه { فَمَنْ يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ اللهُ } فمن يقدر على { وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } يخلصونهم من الضلالة ويحفظونهم عن آفاتها.
{ (30) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا }
القمّي اي طاهراً قيل هو تمثيل للاقبال والاستقامة عليه والاهتمام به.
وفي الكافي والقمّي عن الباقر عليه السلام قال هي الولاية.
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام قال امره ان يقيم وجهه للقبلة ليس فيه شيء من عبادة الأوثان.
والقمّي عنه عليه السلام انّه سئل عنه قال يقيم للصلاة ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً { فِطْرَتَ اللهِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا }
في الكافي عن الصادق عليه السلام انّه سئل عنه عليه السلام ما تلك الفطرة قال هي الاسلام فطرهم الله حين اخذ ميثاقهم على التوحيد قال الست بربّكم وفيهم المؤمن والكافر.
وعنه عليه السلام انّ الله خلق الناس كلّهم على الفطرة التي فطرهم عليها لا يعرفون ايماناً بشريعة ولا كفراً بجحودهم ثمّ بعث الله الرّسل يدعون العباد الى الإِيمان به فمنهم من هدى الله ومنهم من لم يهده.
وفيه وفي التوحيد عنه عليه السلام في اخبار كثيرة قال فطرهم على التوحيد.
وعن الباقر عليه السلام فطرهم على المعرفة به.
والقمّي عنه عليه السلام قال هو لا اله الاّ الله محمد رسُول الله عليّ وليّ الله الى ههنا التوحيد.
وفي البصائر والتوحيد عن الصادق عليه السلام قال على التوحيد ومحمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله وعليّ امير المؤمنين عليه السلام.
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام قال فطرهم على التوحيد عند الميثاق على معرفته انّه ربّهم قال لولا ذلك لم يعلموا من ربّهم ولا من رازقهم { لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ } لا يَقدر احد ان يغيّره { ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ } المستوي الذي لا عوج فيه { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } استقامته.