التفاسير

< >
عرض

لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٦
وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٧
مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٢٨
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
٢٩
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَاطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ
٣٠
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ
٣١
وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ
٣٢
يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ
٣٣
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ
٣٤
-لقمان

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (26) للهِ مَا فِى السَّمّاوَاتِ وَالأَرْضِ } لا يستحق العبادة فيهما غيره { إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِىُّ } عن حمد الحامدين { الْحَمِيدُ } المستحق للحمد وان لم يحمد.
{ (27) وَلَوْ أَنَّ مَا فِى الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ } والبحر المحيط بسعته مداداً ممدوداً بسبعة ابحر فاغنى عن ذكر المداد بمدّه لأنّه من مدّ الدّواة وامدّها والبحر بالنصب.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام انّه قرئ والبحر مداده { مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ } يكتبها بتلك الاقلام المداد { إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ } لا يعجزه شيء { حَكِيمٌ } لا يخرج عن علمه وحكمته أمر.
القمّي وذلك انّ اليهود سألوا رسول الله صلّى الله عليه وآله عن الرّوح فقال الرّوح من امر ربّي وما اوتيتم من العلم الاّ قليلاً قالوا نحن خاصة قال بل الناس عامة قالوا فكيف يجتمع هذا يا محمّد اتزعم انّك لم تؤت من العلم الاّ قليلاً وقد اوتيت القرآن واوتينا التوراة وقد قرأت ومن يؤت الحكمة وهي التوراة
{ { فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [البقرة: 269] فأنزل الله تبارك وتعالى { وَلَوْ أَنَّ مَا فِى الأَرْضِ } الآية يقول علم الله اكثر من ذلك وما اوتيتم كثير فيكم قليل عند الله.
{ (28) مَا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } قيل الا كخلقها وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن.
القمّي عن الباقر عليه السلام بلغنا والله أعلم انّهم قالوا يا محمد خلقنا اطواراً نطفاً ثم علقاً ثم انشأنا خلقاً آخر كما تزعم وتزعم انّا نبعث في ساعة واحدة فقال الله ما خلقكم ولا بعثكم الاّ كنفس واحدة انّما يقول له كن فيكون { إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } لا يشغله سمع عن سمع ولا ابصار عن ابصار.
{ (29) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِى النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِى اللَّيْلِ }
القمّي يقول ما ينقص من الليل يدخل في النهار وما ينقص من النهار يدخل في اللّيل { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ } من النيّرين { يَجْرِى } في فلكه { إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً } القمّي يقول كلّ واحد منهما يجري الى منتهاه لا يقصر عنه ولا يجاوزه { وَأَنّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } عالم بكنهه.
{ ذَلِكَ } اشارة الى الذي ذكر من سعة العلم وشمول القدرة وعجائب الصنع واختصاص الباري عزّ اسمه بها { بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ } وقرئ بالياء { وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ } المترفّع على كلّ شيء والمتسلّط عليه.
{ (31) اَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللهِ } باحسانه في تهيئة اسبابه.
القمّي قال السفن تجري في البحر بقدرة الله { لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ } دلائله { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ } قيل اي لكلّ من حبس نفسه على النظر في آيات الله والتفكّر في آلائه والشكر لنعمائه.
والقمّي قال الذي يصبر على الفقر والفاقة ويشكر الله على جميع احواله.
أقول: ولعلّه اراد به من لا يركب البحر لطلب الرزق ويعتبر لمن ركبه لذلك وقيل اريد بالصبّار الشكور المؤمن وفي الحديث الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر رواه في المجمع.
أقولُ: راكب البحر بين خوف من الغرق ورجاء للخلاص فهو لا يزال بين بليّة ونعمة والبليّة تطلبه بالصبر والنعمة تطلبه بالشكر فهو صبّار شكور.
{ (32) وَإِذَا غَشِيَهُمْ } علاهم وغطّاهم يعني في البحر { مَوْجٌ كَالظُّلَلِ } كما يُظلّ من جبل او سحاب او غيرهما { دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } لزوال ما ينازع الفطرة من الهوى والتقليد بما دهاهم من الخوف الشديد { فَلَمّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ } القمّي اي صالح { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ } غدّار ينقض العهد الفطريّ وما كان في البحر والختر اشدّ الغدر.
والقمّي قال الختّار الخدّاع { كَفُورٍ } للنّعم.
{ (33) يَا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَ يَجْزِى وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ } لا يقضي عنه وقرئ لا يجزي من اجزاء اي لا يغني { وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ } بالثواب والعقاب.
القمّي قال ذلك القيامة { فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا } بتشويقها في الكافي عن السجّاد عليه السلام الدنيا دنياءان دنيا بلاغ ودنيا ملعونة { وَلاَ يَغُرَّنَكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ } الشيطان بان يرجيكم التوبة والمغفرة فيجرئكم على المعاصي.
{ (34) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَة } علم وقت قيامها { وَيُنْزِلُ الْغَيْثَ } في انائه المقدّرة له والمحلّ المعيّن له في علمه وقرئ بالتشديد { وَيَعْلَمُ مَا فِى الأَرْحَامِ } في نهج البلاغة من ذكر او انثى وقبيح او جميل وسخيّ او بخيل وشقيّ او سعيد ومن يكون للنار حطباً او في الجنان للنبيّين مرافقاً { وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا } من خير او شرّ وربّما تعزم على شيء فتفعل خلافه { وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ }
القمّي عن الصادق عليه السلام هذه الخمسة اشياء لم يطّلع عليها ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل وهي من صفات الله تعالى.
وفي نهج البلاغة فهذا هو علم الغيب الذي لا يعلمه احد الاّ الله.
وفي المجمع جاء في الحديث انّ مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهنّ الا الله وقرأ هذه الآية وقد روي عن أئمّة الهدى انّ هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التّفصيل والتحقيق غيره تعالى.
أَقولُ: وانّما قيل على التفصيل والتحقيق لأنّهم عليهم السلام ربّما كانوا يخبرون عن بعض هذه على الإِجمال وانما كان ذلك تعلّماً من ذي علم كما قاله امير المؤمنين عليه السلام { إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ } يعلم الأشياء كلّها { خَبِيرٌ } يعلم بواطنها كما يعلم ظواهرها.
في ثواب الأعمال والمجمع عن الباقر عليه السلام من قرأ سورة لقمان في ليلة وكل الله به في ليلته ملائكة يحفظونه من ابليس وجنوده حتى يصبح واذا قرأها بالنهار لم يزالوا يحفظونه من ابليس عليه اللّعنة وجنوده حتّى يمسي.