التفاسير

< >
عرض

ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥
ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً
٦
-الأحزاب

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (5) ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ } انسبوهم اليهم { هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ } اعدل واريد به مطلق الزيادة لا التفضيل ومعناه البالغ في الصدق { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ } لتنسبوهم اليهم { فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ } فهم اخوانكم في الدين { وَمَوالِيكُمْ } وأولياؤكم فيه فيقولوا هذا اخي ومولاي بهذا التّأويل { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } ولا اثم عليكم فيما فعلتموه من ذلك مخطئين قبل النهي او بعده على النسيان او سبق اللّسان { وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا } يعفو عن المخطي
{ (6) النّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } يعني اولى بهم في الامور كلّها فانّه لا يأمرهم ولا يرضى منهم الاّ بما فيه صلاحهم ونجاحهم بخلاف النفس فلذلك اطلق فيجب عليهم ان يكون احبّ اليهم من انفسهم وامره انفذ عليهم من امرها وشفقتهم عليه اتمّ من شفقتهم عليها.
في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّه لمّا اراد غزوة تبوك وامر النّاس بالخروج قال قوم نستأذن آبائنا وامّهاتنا فنزلت هذه الآية.
وعن الباقر والصادق عليهما السلام انّهما قرءا وازواجه امّهاتهم وهو ابٌ لهم والقمّي قال نزلت وهو اب لهم.
أقول: يعني في الدين والدنيا جميعاً امّا في الدين فانّ كلّ نبيّ ابٌ لامّته من جهة انّه اصل فيما به الحياة الابديّة ولذلك صار المؤمنون اخوة وورد ايضاً عن النبي صلّى الله عليه وآله انّه قال انا وعليّ ابوا هذه الامّة كما مرّ في سورة البقرة وذلك لأنّهما في هذا المعنى سواء الاّ انّ عليّاً بعد النبيّ وامّا في الدنيا فلالزام الله ايّاه مؤنتهم وتربيته ايتامهم ومن يضيع منهم.
القمّي جعل الله عزّ وجلّ المؤمنين اولاد رسول الله صلّى الله عليه وآله وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر ان يصون نفسه ولم يكن له مال وليس له على نفسه ولاية فجعل الله تعالى لنبيّه الولاية على المؤمنين وجعله اولى بالمؤمنين من انفسهم وهو قول رسول الله صلّى الله عليه وآله بغدير خم ايّها الناس ألست اولى بكم من انفسكم قالوا بلى.
ثمّ اوجب لأمير المؤمنين عليه السلام ما اوجبه لنفسه عليهم من الولاية فقال الا من كنت مولاه فعليّ مولاه فلمّا جعل الله النبيّ صلّى الله عليه وآله اباً للمؤمنين الزمه مؤنتهم وتربية ايتامهم فعند ذلك صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله المنبر فقال من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً او ضياعاً فعليَّ واليَّ فألزم الله نبيّه للمؤمنين ما يلزم الوالد للولد والزم المؤمنين من الطاعة له ما يلزم الولد للوالد فكذلك الزم امير لمؤمنين ما الزم رسول الله من بعد ذلك وبعده الأئمّة واحداً واحداً قال والدليل على انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وامير المؤمنين عليه السلام هما والدان قوله
{ { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [النساء: 36] فالوالدان رسول الله صلّى الله عليه وامير المؤمنين عليه السلام.
وقال الصادق عليه السلام فكان اسلام عامة اليهود بهذا السبب لأنّهم آمنوا على انفسهم وعيالاتهم.
وفي العلل عن الكاظم عليه السلام انّه سئل لم كنِي النبيّ صلّى الله عليه وآله بأبي القاسم فقال لأنّه كان له ابن يقال له القاسم فكنّي به فقال السائل يابن رسول الله هل تراني اهلاً للزيادة فقال نعم اما علمت أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال انا وعليّ ابوا هذه الأمّة قال بلى قال اما علمت ان رسول الله صلّى الله عليه وآله ابٌ لجميع امّته وعليّ منهم قال بلى قال اما علمت انّ علياً عليه السلام قاسم الجنّة والنّار قال بلى قال
فقيل له ابو القاسم لأنّه ابو قاسم الجنّة والنار قال بلى قال وما معنى ذلك فقال انّ شفقة النبي صلّى الله عليه وآله على أمّته كشفقة الآباء على الأولاد وافضل امتّه عليّ عليه السلام ومن بعده شفقة عليّ عليه السلام عليهم كشفقته لأنّه وصيّه وخليفته والإِمام من بعده فلذلك قال انا وعليّ ابوا هذه الأمّة وصعد النبيّ صلّى الله عليه وآله المنبر فقال من ترك ديناً او ضياعاً فعليّ واليّ ومن ترك مالاً فلورثته فصار بذلك اولى من آبائهم وامّهاتكم وصار اولى بهم من انفسهم وكذلك امير المؤمنين عليه السلام بعده جرى ذلك له مثل ما جرى لرسول الله صلّى الله عليه وآله.
وفي الكافي عن سليم بن قيس قال سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول كنا عند معاوية انا والحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن عبّاس وعمر بن امّ سلمة واسامة بن زيد فجرى بيني وبين معاوية كلام فقلت لمعاوية سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول انا اولى بالمؤمنين من انفسهم ثمّ اخي عليّ بن ابي طالب اولى بالمؤمنين من انفسهم فاذا استشهد فالحسن بن علي اولى بالمؤمنين من انفسهم ثمّ ابني الحسين من بعده اولى بالمؤمنين من انفسهم فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين اولى بالمؤمنين من انفسهم وستدركه يا عليّ ثم ابنه محمّد بن عليّ اولى بالمؤمنين من انفسهم وستدركه يا حسين ثم تكلمة اثني عشر إِماماً تسعة من ولد الحسين عليهم السلام.
قال عبد الله بن جعفر واستشهدت الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعمر ابن امّ سلمة واسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية قال سليم وقد سمعت ذلك من سلمان وابي ذرّ والمقداد وذكروا انّه سمعوا ذلك من رسول الله صلّى الله عليه وآله.
وعن الصادق عليه السلام انّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال انا اولى بكلّ مؤمن من نفسه وعليّ اولى به من بعدي فقيل له ما معنى ذلك فقال قول النبيّ صلّى الله عليه وآله من ترك دَيناً او ضياعاً فعليّ واليّ ومن ترك مالاً فلورثته فالرجل ليست على نفسه ولاية اذا لم يكن له مال وليس له على عياله امر ولا نهي اذا لم يجر عليهم النفقة والنبيّ وامير المؤمنين ومن بعدهما سلام الله عليهم الزمهم هذا فمن هناك صاروا اولى بهم من انفسهم وما كان سبب اسلام عامّة اليهود الاّ من بعد هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وانّهم امنوا على انفسهم وعيالاتهم.
وفي نهج البلاغة في حديث له قال فوالله انّي لأولى الناس بالناس { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } منزّلات منزلتهنّ في التحريم مطلقاً وفي استحقاق التعظيم ما دمن على طاعة الله.
في الكافي عن الباقر عليه السلام في حديث وازواج رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحرمة مثل امّهاتهم.
وفي الاكمال عن القائم عليه السلام انّه سئل عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله حكمه الى امير المؤمنين عليه السلام قال انّ الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبيّ صلّى الله عليه وآله فخصهنّ بشرف الامّهات فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله يا ابا الحسن انّ هذا الشرف باق ما دمن على الطاعة فأيّتهنّ عصت الله بَعدي بالخروج عليك فأطلقها في الأزواج واسقطها من تشرّف الامّهات ومن شرف امومة المؤمنين { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كِتَابِ اللهِ } في حكمه المكتوب.
القمّي قال نزلت في الإِمامة.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انّه سئل عن هذه الآية فيمن نزلت قال نزلت في الامرة انّ هذه الآية جرت في ولد الحسين عليه السلام من بعده فنحن اولى بالامر وبرسول الله صلّى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار.
أقولُ: وقد مضت هذه الآية بعينها في آخر سورة الانفال وانّها نزلت في نسخ التوارث بالهجرة والنصرة والتوفيق بنزول هذه في الامرة وتلك في الميراث لا يلايم الاستثناء في هذه الآية ولا ما يأتي في بيانه الاّ ان يقال انّ الامرة تأويل كما يستفاد ممّا يأتي نقلاً من العلل عند قوله تعالى
{ { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } [التوبة: 55، 85 ـ الأحزاب: 33] الآية وبالتّعميم في الآيتين يرتفع التخالف { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ } صلة لأولي الأرحام اي اولوا الارحام بحقّ القرابة اولى بالامرة او بالميراث من المؤمنين بحقّ الدين والمهاجرين بحقّ الهجرة وان حملنا الآية على الميراث احتمل ايضاً ان يكون بياناً لاولي الأرحام { إِلاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } يعني به الوصيّة.
في الكافي عن الصادق عليه السلام انّه سئل ايّ شيء للموالي فقال ليس لهم من الميراث الاّ ما قال الله عزّ وجلّ { الاّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا } { كَانَ ذَلِكَ فِى الْكِتَابِ مَسْطُورًا } أي ما ذكر في الآيتين في اللّوح ثابت كذا قيل.