التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٧٠
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً
٧١
إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
٧٢
-الأحزاب

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (70) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا }
(71) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }
في الكافي عن الصادق عليه السلام انّه قال لعبّاد بن كثير الصوفي البصري ويحك يا عباد غرّك ان عفّ بطنك وفرجك انّ الله عزّ وجلّ يقول في كتابه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لكم أَعْمَالَكُمْ } اعلم انّه لا يقبل الله منك شيئاً حتّى تقول قولاً عدلاً { وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا }
في الكافي والقمّي عن الصادق عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ ومن يطع الله ورسوله في ولاية عليّ عليه السلام والأئمّة عليهم السلام من بعده { فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } هكذا نزلت.
{ (72) إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً }
أقولُ: ما قيل في تفسير هذه الآية في مقام التعميم انّ المراد بالامانة التكليف وبعرضها عليهن النظر الى استعدادهنّ وبآبائهنّ الإِباء الطبيعي الذي هو عدم اللّياقة والاستعداد وبحمل الانسان قابليّته واستعداده لها وكونه ظلوماً جهولاً لما غلب عليه من القوّة الغضبيّة والشهويّة وهو وصف للجنس باعتبار الاغلب وكلّ ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع الى هذا المعنى كما يظهر بالتدبر.
في العيون والمعاني عن الرضا عليه السلام في هذه الآية قال الامانة الولاية من ادّعاها بغير حقّ فقد كفر.
أقولُ: يعني بالولاية الامرة والإِمام يحتمل ارادة القرب من الله.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام هي ولاية امير المؤمنين عليه السلام.
وفي البصائر عن الباقر عليه السلام هي الولاية ابين ان يحملنها كفراً وحملها الانسان والانسان ابو فلان.
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام الامانة الولاية والانسان ابو الشّرور المنافق.
وعنه عليه السلام ما ملخّصه انّ الله عرض ارواح الأئمّة على السموات والأرض والجبال فغشيها نورهم وقال في فضلهم ما قال ثم قال فولايتهم امانة عند خلقي فأيّكم يحملها بأثقالها ويدّعيها لنفسه فأبت من ادّعاء منزلتها وتمنّي محلّها من عظمة ربّهم فلمّا اسكن الله آدم عليه السلام وزوجته الجنّة وقال لهما ما قال حملهما الشيطان على تمنّي منزلتهم فنظر اليهم بعين الحسد فخذلا حتّى اكلا من شجرة الحنطة وساق الحديث الى ان قال فلم يزل انبياء الله بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة ويخبرون بها اوصياءهم والمخلصين من امّتهم فيأبون حملها ويشفقون من ادّعائها وحملها الانسان الذي قد عرف بأصل كلّ ظلم منه الى يوم القيامة وذلك قول الله عزّ وجلّ انّا عرضنا الامانة الآية.
والقمّي الامانة هي الامامة والامر والنهي والدليل على انّ الامانة هي الامامة قوله عزّ وجلّ للأئمّة
{ { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } [النساء: 58] يعني الامامة فالامانة هي الامامة عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ان يدعوها او يغصبوها اهلها { وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ } يعني الاول { أَنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً }.
أقولُ: ويدلّ على ان تخصيص الامانة بالولاية والامامة اللّتين مرجعهما واحد والانسان بالأوّل في هذه الاخبار لا ينافي صحّة ارادة عمومها لكلّ امانة وتكليف وشمول الانسان كلّ مكلّف لما عرفت في مقدّمات الكتاب من تعميم المعاني وارادة الحقائق وفي نهج البلاغة في جملة وصاياه للمسلمين ثم أداء الامانة فقد خاب من ليس اهلها انّها عرضت على السموات المبنيّة والأرض المدحوّة والجبال ذات الطول المنصوبة فلا اطول ولا اعرض ولا اعلا ولا اعظم منها ولو امتنع شيء بطول او عرض او قوة او عزّ لامتنعن ولكن اشفقن من العقوبة وعقلن ما جهل من هو اضعف منهنّ وهو الانسان انه كان ظلوماً جهولاً.
وفي الكافي ما يقرب منه وفي العوالي انّ عليّاً عليه السلام اذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلون فيقال له ما لك يا امير المؤمنين فيقول جاء وقت الصلاة وقت امانة عرضها الله على السموات والارض والجبال فابين ان يحملنها واشفقن منها.
وفي التهذيب عن الصادق عليه السلام انّه سئل عن الرجل يبعث الى الرجل يقول له اتبع لي ثوباً فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده قال لا يقربنّ هذا ولا يدنس نفسه انّ الله عزّ وجلّ يقول { إِنّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ } الآية قال وان كان عنده خير ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده.
أقول: لا منافاة بين هذه الاخبار حيث خصّصت الامانة تارة بالولاية والاخرى بما يعمّ كلّ امانة وتكليف لما عرفت في مقدّمات الكتاب من جواز تعميم اللّفظ بحيث يشمل المعاني المحتملة كلّها بارادة الحقايق تارة والتخصيص بواحد واحد اخرى ثمّ أقول ما يقال في تأويل هذه الآية في مقام التعميم انّ المراد بالامانة التكيلف بالعبودية لله على وجهها والتقرّب بها الى الله سبحانه كما ينبغي لكلّ عبد بحسب استعداده لها واعظمها الخلافة الالهيّة لاهلها ثم تسليم من لم يكن من اهلها لأهلها وعدم ادّعاء منزلتها لنفسه ثمّ سائر التكاليف والمراد بعرضها على السموات والارض والجبال النظر الى استعدادهنّ لذلك وبآبائهن الإِباء الطبيعي الذي هو عبارة عن عدم اللّياقة لها وبحمل الانسان ايّاها تحمّله لها من غير استحقاق تكبّراً على اهلها ومع تقصيره بحسب وسعه في ادائها وبكونه ظلوماً جهولاً ما غلب عليه من القوّة الغضبيّة والشهويّة وهو وصف للجنس باعتبار الأغلب فهذه حقائق معانيها الكلّية وكلّ ما ورد في تأويلها في مقام التخصيص يرجع الى هذه الحقايق كما يظهر عند التدبّر والتوفيق من الله.