التفاسير

< >
عرض

أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١
وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ ٱلْقِطْرِ وَمِنَ ٱلْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ
١٢
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ
١٣
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ
١٤
-سبأ

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (11)أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ } دروعاً واسعات { وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ } في نسجها بحيث تتناسب حلقها او في مساميرها في الدقّة والغلظ فلا تغلق ولا تحرق.
في قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام قال الحلقة بعد الحلقة والقمّي قال المسامير التي في الحلقة { وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنَّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{ (12) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ } وسخّرنا له الريح وقرئ بالرفع { غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَواَحُهَا شَهْرٌ } جريها بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ كذلك.
القمّي قال كانت الريح تحمل كرسيّ سليمان فتسير به بالغداة مسيرة شهر وبالعشيّ مسيرة شهر { وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ } القمّي الصفر وقيل اسال له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه نبوع الماء من الينبوع ولذلك سمّاه عيناً وكان ذلك باليمن { وَمِنَ الجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا } ومن يعدل منهم عمّا امرناه به من طاعة سليمان { نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ } قيل عذاب الآخرة وقيل عذاب الدنيا.
{ (13) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ } قصور حصينة ومساكن شريفة سمّيت بها لأنّها يذبّ عنها ويحارب عليها { وَتَمَاثِيلَ } وصوراً.
في الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام والله ما هي تماثيل الرجال
والنساء ولكنّها الشجر وشبهه { وَجِفَانٍ } صحاف { كَالْجَوابِ } كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية { وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ } ثابتات على الاثافي لا تنزل عنها لعظمها { اِعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِىَ الشُّكُورُ } المتوفر على اداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه اكثر اوقاته ومع ذلك لا يوفي حقّه لأنّ توفيقه للشّكر نعمة يستدعي شكراً آخر لا الى نهاية ولذلك قيل الشكور من يرى عجزه عن الشكر.
{ (14) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ } اي على سليمان { مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاّ دابَّةُ الأَرْضِ } اي الارضة والارض فعلها اضيفت اليه { تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ } عصاه من نساه اذا طرده { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ } في المجمع وفي الشواذ تبيّنت الانس ثم نسبها الى السجاد والصادق عليهما السلام ويأتي ذكرها.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال انّ الله عزّ وجلّ اوحى الى سليمان بن داود (ع) انّ آية موتك انّ شجرة تخرج من بيت المقدس يقال لها الخرنوبة قال فنظر سليمان يوماً فاذا الشجرة الخرنوبة قد طلعت من بيت المقدس فقال لها ما اسمك قالت الخرنوبة قال فولّى سليمان مدبراً الى محرابه فقام فيه متّكئاً على عصاه فقبض روحه من ساعته قال فجعلت الجنّ والانس يخدمونه ويسعون في امره كما كانوا وهم يظنّون انّه حيّ لم يمت يغدون ويروحون وهو قائم ثابت حتّى دبت الارضة من عصاه فأكلت منسأته فانكسرت وخرّ سليمان الى الأرض افلا تسمع لقوله عزّ وجلّ { فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ } الآية.
وفي العلل عن الباقر عليه السلام قال امر سليمان بن داود (ع) الجنّ فصنعوا له قبّة من قوارير فبينا هو متّكئ على عصاه في القبّة ينظر الى الجنّ كيف يعملون وينظرون اليه اذ حانت منه التفاتة فاذا هو برجل معه في القبّة ففزع منه فقال له من انت قال انا الذي لا اقبل الرشا ولا اهاب الملوك انا ملك الموت فقبضه وهو متّكئ على عصاه في القبّة والجن ينظرون اليه قال فمكثوا سنة يَدْأَبُونَ له حتّى بعث الله عزّ وجلّ الارضة فأكلت منسأته وهي العصا فلما خر تبينت الجنّ الآية. قال عليه السلام فالجن يشكر الارضة بما عملت بعصا سليمان فما تكاد تراها في مكان الاّ وعندها ماء وطين.
والقمّي قال لمّا اوحى الله الى سليمان انّك ميّت امر الشياطين ان تتخذ له بيتاً من قوارير ووضعوه في لجّة البحر ودخله سليمان فاتّكى على عصاه وكان يقرء الزّبور والشياطين حوله ينظرون اليه ولا يجسرون ان يبرحوا فبينا هو كذلك اذا حانت منه التفاتة ثم ذكر كالحديث السابق ثم قال فلمّا خرّ على وجهه تبيّنت الانس انّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين فهكذا نزلت هذه الآية وذلك انّ الانس كانوا يقولون انّ الجنّ يعلمون الغيب فلمّا سقط سليمان (ع) على وجهه علموا ان لو يعلم الجنّ الغيب لم يعملوا سنة لسليمان (ع) وهو ميّت ويتوهّمونه حيّاً.
وفي العيون والعلل عن الرضا عن ابيه عليهم السلام انّ سليمان بن داود (ع) قال ذات يوم لاصحابه انّ الله تعالى وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي سخّر لي الريح والجنّ والانس والطير والوحوش وعلّمني منطق الطير وآتاني من كلّ شيء ومع جميع ما اوتيت من الملك ما تمّ لي سرور يوم الى الليل وقد احببت ان ادخل قصري في غد فأصعد اعلاه وانظر الى ممالكي ولا تأذنوا لأحد عليّ لئلا يرد عليّ ما ينقص عليّ يومي قالوا نعم فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده وصعد الى اعلى موضع من قصره ووقف متّكئاً على عصاه ينظر الى ممالكه مسروراً بما اوتي فرحاً بما اعطي اذ نظر الى شابّ حسن الوجه واللّباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره فلمّا بصر به سليمان (ع) قال له من ادخلك الى هذا القصر وقد اردت ان اخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت قال الشابّ ادخلني هذا القصر ربّه وباذنه دخلت فقال ربّه احقّ به منّي فمن انت قال انا ملك الموت قال وفيما جئت قال جئت لأقبض روحك قال امض لما امرت به فهذا يوم سروري وابى الله عزّ وجلّ ان يكون لي سرور دون لقائه فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه فبقي سليمان متّكئاً على عصاه وهو ميّت ما شاء الله والناس ينظرون اليه وهم يقدّرون انّه حيّ فافتتنوا فيه واختلفوا فمنهم من قال قد بقي سليمان (ع) متّكئاً على عصاه هذه الايّام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ولم يأكل ولم يشرب انّه لربّنا الذي يجب علينا ان نعبده وقال قوم ان سليمان ساحر وانّه يرينا انّه واقف متّكئ على عصاه يسحر اعيننا وليس كذلك فقال المؤمنون انّ سليمان هو عبد الله ونبيّه يدبّر الله امره بما يشاء فلمّا اختلفوا بعث الله عزّ وجلّ الأرضة فدبّت في عصاه فلمّا اكلت جوفه انكسرت العصا وخرّ سليمان من قصره على وجهه فشكرت الجنّ للأرضة صنيعها فلأجل ذلك لا توجد الأرضة في مكان الاّ وعندها ماء وطين وذلك قول الله عزّ وجلّ { فَلَمّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاّ دابَّةُ الأَرْضِ تَأِكُلُ مِنْسَاَتهُ } يعني عصاه { فلمّا خرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا } الآية.
ثم قال الصادق عليه السلام والله ما نزلت هذه الآية هكذا وانّما نزلت فلمّا خرّ تبيّنت الانس انّ الجنّ لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
وفي الاحتجاج عن الصادق عليه السلام انّه سئل كيف صعدت الشياطين الى السماء وهم امثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داود (ع) من البناء ما يعجز عنه ولد آدم قال غلظوا لسليمان كما سخّروا وهم خلق رقيق غذّاهم التنسّم والدليل على ذلك صعودهم الى السماء لاستراق السمع ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء اليها الاّ بسلّم او سبب.
في الاكمال عن النبيّ صلّى الله عليه وآله عاش سليمان بن داود سبعمأة سنة واثنتي عشرة سنة.