التفاسير

< >
عرض

إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ
١٨
وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ
١٩
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ
٢٠
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ
٢١
إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ
٢٢
إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ
٢٣
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ
٢٤
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ
٢٥
يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ
٢٦

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (18) إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } قد سبق تفسيره في سورة الأنبياء وسبا { بِالْعَشِىِّ وَالإِشْرَاقِ } حين تشرق الشمس اي تضيء ويصفو شعاعها.
{ (19) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً } اليه من كلّ جانب { كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ } كلّ من الجبال والطير لأجل تسبيحه رجّاع الى التسبيح.
{ (20) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } وقويناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود.
{ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ } قيل هو فصل الخصام يتميز الحقّ عن الباطل وقيل الكلام المفصول الذي لا يشتبه على السامع.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام انّه معرفة اللّغات.
وفي الجوامع عن عليّ عليه السلام هو قوله البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه وقد ورد اخبار كثيرة بأنّ ائمّتنا عليهم السلام أعطوا الحكمة وفصل الخطاب.
{ (21) وَهَلْ آتاكَ نَبَؤُ الْخَصْمِ } فيه تعجيب وتشويق الى استماعه { إِذْ تَسًوَّرُوا الْمِحْرَابَ } اذ تصعّدوا سور الغرفة.
{ (22) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ } لأنّهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس على الباب { قَالُوا لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ } ولا تجر في الحكومة { وَاهْدِنَا إِلَى سَواءِ الصِّرَاطِ } الى وسطه وهو العدل.
{ (23) إِنَّ هذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ } هي الانثى من الضّان وقد يكنّى بها عن المرأة { فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا } ملّكنيها واصله واجعلني اكفلها او اجعلها كفلي اي نصيبي { وَعَزَّنِى فِى الْخِطَابِ } وغلبني في مخاطبة ايّاي.
{ (24) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ }
الشركاء التي خلطوا اموالهم جمع خليط { لِيَبْغِى } ليتعدّى { بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ } وهم قليل ما مزيدة للإِبهام والتعجّب من قلّتهم { وَظَنَّ دَاوُدُ أَنّمَا فَتَنّاهُ } امتحنّاه بتلك الحكومة هل تنبّه بِهَا { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا } ساجداً { وَأَنَابَ } ورجع الى الله بالتوبة.
{ (25) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ } اي ما استغفر عنه { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى } لقربه بعد المغفرة { وَحُسْنَ مَآبٍ } مرجع في الجنّة.
{ (26) يَا دَاوُدُ إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } قد سبق في سورة لقمان كلام في خلافة داود عليه السلام.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام في حديث عصمة الأنبياء قال وامّا داود فما يقول من قبلكم فيه فقيل يقولون انّ داود عليه السلام كان يصلّي في محرابه اذ تصوّر له ابليس على صورة طير احسن ما يكون من الطيور فقطع داود (ع) صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير الى الدار فخرج في اثره فطار الطير الى السطح فصعد السطح في طلبه فسقط الطير في دار اوريا بن حيّان فاطّلع داود (ع) في اثر الطير فاذا بامرأة اوريا تغتسل فلمّا نظر اليها هواها وكان قد اخرج اوريا في بعض غزواته فكتب الى صاحبه ان قدّم اوريا امام التابوت فقدّم فظفر اوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود (ع) فكتب اليه ثانية ان قدّمه امام التابوت فقدّم فقتل اوريا فتزوّج داود (ع) بامرأته قال فضرب الرضا عليه السلام يده على جبهته وقال انّا لله وانّا اليه راجعون لقد نسبتم نبيّاً من انبياء الله الى التهاون بصلاته حتّى خرج في اثر الطير ثم بالفاحشة ثم بالقتل فقيل يا ابن رسول الله فما كانت خطيئته فقال ويحك انّ داود (ع) انّما ظنّ انّه ما خلق الله عزّ وجلّ خلقاً هو اعلم منه فبعث الله عزّ وجلّ اليه الملكين فتسوّرا المحراب فقالا له خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط { وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ إِنَّ هذَا أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب } فعجّل داود (ع) على المدّعى عليه فقال لقد ظلمك بسؤال نعجتك الى نعاجه ولم يسأل المدّعي البيّنة على ذلك ولم يقبل على المدّعى عليه فيقول له ما تقول فكان هذا خطيئته رسم حكم لا ما ذهبتم اليه ألا تسمع الله تعالى يقول يا داود { إِنّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فاحكم بين النّاس بالحقّ } الى آخر الآية فقيل يا ابن رسول الله فما قصّته مع اوريا قال الرضا عليه السلام انّ المرأة في أيّام داود (ع) كانت اذا مات بعلها او قتل لا تتزوّج بعده ابداً فأوّل من اباح الله تعالى ان يتزوّج بامرأة قتل بعلها داود (ع) فتزوّج بامرأة اوريا لمّا قتل وانقضت عدّتها فذلك الذي شقّ على الناس من قبل اوريا.
والقمّي عن الصادق عليه السلام ما يقرب ممّا روته العامّة وكذّبه الرّضا عليه السلام كما مرّ مع زيادات وفيه ما فيه وعن الباقر عليه السلام في قوله وظنّ داود (ع) اي علم واناب اي تاب وذكر انّ داود (ع) كتب الى صاحبه ان لا تقدّم اوريا بين يدي التابوت وردّه فقدّم اوريا الى اهله ومكث ثمانية ايّام ثم مات.
وفي المجالس عن الصادق عليه السلام قال انّ رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا الى داود (ع) انّه تبع الطير حتّى نظر الى امرأة أوريا فهواها وانّه قدّم زوجها امام التابوت حتّى قتل ثمّ تزوّج بها.
وفي المجمع عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال لا اوتي برجل يزعم انّ داود (ع) تزوّج امرأة اوريا الاّ جلدته حدّين حدّ للنبوّة وحدّ للاسلام وروي انّه قال من حدّث بحديث داود (ع) على ما يرويه القصّاص جلدته مأة وستّين.