التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً
١
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (1) يَا أَيُّهَا النّاسُ اتّقُوا رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } هي آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } هي حواء.
القمي برأها من أسفل أضلاعه { وَبَثَّ مِنْهَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً } بنين وبنات كثيرة ورتب الأمر بالتقوى على ذلك لما فيه من الدلالة على القدرة القاهرة التي من حقها أن تخشى والنعمة الظاهرة التي توجب طاعة مولاها.
العياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال خلقت حواء من قصيري جنب آدم والقصير هو الضلع فأبدل الله مكانه لحماً، وفي رواية خلقت حواء من جنب آدم وهو راقد.
وعن الصادق عليه السلام أن الله خلق آدم من الماء والطين فهمة ابن آدم في الماء والطين وان الله خلق حواء من آدم فهمة النساء بالرجال فحصنوهن في البيوت.
وفي الفقيه والعلل عنه عليه السلام أنه سئل عن خلق حواء وقيل له أن أناساً عندنا يقولون ان الله خلق حواء من ضلع آدم اليسرى الأقصى قال سبحان الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً، يقول من يقولون هذا ان الله تبارك وتعالى لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجة من غير ضلعه ويجعل للمتكلم من أهل التشنيع سبيلاً إلى الكلام يقول ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم الله بيننا وبينهم ثم قال ان الله تبارك وتعالى لما خلق آدم من طين وأمر الملائكة فسجدوا له القى عليه السبات ثم ابتدع له حواء فجعلها في موضع النقرة التي بين وركيه وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل فأقبلت تتحرك فانتبه لتحركها فلما انتبه نوديت أن تنحي عنه فلما نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنها أنثى فكلمها فكلمته بلغته فقال لها من أنت فقالت خلق خلقني الله كما ترى فقال آدم عليه السلام عند ذلك يا رب من هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه فقال الله يا آدم هذه أمتي حواء أتحب أن تكون معك فتؤنسك وتحدثك وتأتمر لأمرك فقال نعم يا رب ولك عليّ بذلك الشكر والحمد ما بقيت فقال الله تعالى فاخطبها إليّ فانها أمتي وقد تصلح لك أيضاً زوجة للشهوة والقى الله عليه الشهوة وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكل شيء فقال يا رب فاني أخطبها إليك فما رضاك لذلك فقال رضائي أن تعلمها معا لم ديني فقال ذلك لك يا رب علي ان شئت ذلك لي فقال قد شئت ذلك وقد زوجتكها فضمها إليك فقال لها آدم إليّ فاقبلي فقالت له لا بل أنت فاقبل إليّ فأمر الله تعالى آدم أن يقوم إليها فقام ولولا ذلك لكن النساء يذهبن حتى يخطبن على أنفسهن فهذه قصة حواء.
والعياشي عن الباقر عليه السلام أنه سئل من أي شيء خلق الله حواء فقال أي شيء يقولون هذا الخلق قلت يقولون ان الله خلقها من ضلع من اضلاع آدم فقال كذبوا كان يعجزان بخلقها من غير ضلعه ثم قال اخبرني أبي عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم
"ان الله تبارك وتعالى قبض قبضة من طين فخلطها بيمينه وكلتا يديه يمين فخلق منها آدم وفضل فضلة من الطين فخلق منها حواء" .
وفي العلل عنه عليه السلام خلق الله عز وجل آدم من طين ومن فضلته وبقيته خلقت حواء، وفي رواية أخرى خلقت من باطنه ومن شماله ومن الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر.
قال في الفقيه وأما قول الله عز وجل يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، والخبر الذي روي أن حواء خلقت من ضلع آدم الأيسر صحيح ومعناه من الطينة التي فضلت من ضلعه الأيسر فلذلك صارت أضلاع الرجال أنقص من أضلاع النساء بضلع.
أَقُولُ: فما ورد أنها خلقت من ضلعه الأيسر اشارة إلى أن الجهة الجسمانية الحيوانية في النساء أقوى منها في الرجال والجهة الروحانية الملكية بالعكس من ذلك وذلك لأن اليمين مما يكنى به عن عالم الملكوت الروحاني والشمال مما يكنى به عن عالم الملك الجسماني فالطين عبارة عن مادة الجسم واليمين عبارة عن مادة الروح ولا ملك إلا بملكوت وهذا هو المعنى بقوله وكلتا يديه يمين فالضلع الأيسر المنقوص من آدم كناية عن بعض الشهوات التي تنشؤ من غلبة الجسمية التي هي من عالم الخلق وهي فضلة طينه المستنبط من باطنه التي صارت من مادة لخلق حواء فنبه في الحديث على أنه جهة الملكوت والأمر في الرجال أقوى من جهة الملك والخلق وبالعكس منهما في النساء فان الظاهر عنوان الباطن وهذا هو السر في هذا النقص في أبدان الرجال بالاضافة إلى النساء وأسرار الله لا ينالها إلا أهل السر فالتكذيب في كلام المعصومين انما يرجع إلى ما فهمه العامة من حمله على الظاهر دون أصل الحديث.
وفي العلل عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن بدو النسل من ذرية آدم وقيل له ان عندنا اناساً يقولون ان الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوج بناته من بنيه وأن هذا الخلق أصله كله من الاخوة والأخوات فقال سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً يقول من يقول هذا ان الله عز وجل جعل أصل صفوة خلقه واحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات من حرام ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب والله لقد نبئت ان بعض البهائم تنكرت له اخته فلما نزل عليها ونزل كشف له عنها وعلم أنها أخته أخرج عزموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتاً، وفي رواية أخرى عنه عليه السلام ما يقرب منه مع تأكيد بليغ في تحريم الأخوات على الأخوة وانه لم يزل كان كذلك في الكتب الأربعة المنزلة المشهورة وان جيلاً من هذا الخلق رغبوا عن علم أهل بيوتات الأنبياء وأخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه فصاروا إلى ما قد ترون من الضلال والجهل وفي آخرها ما أراد من يقول هذا وشبهه الا تقوية حجج المجوس فما لهم قاتلهم الله، ثم قال ان آدم ولد له سبعون بطناً في كل بطن غلام وجارية إلى أن قتل هابيل فلما قتل هابيل جزع آدم على هابيل جزعاً قطعه عن اتيان النساء فبقي لا يستطيع أن يغشى حواء خمسمائة عام ثم تجلى ما به من الجزع فغشي حواء فوهب الله له شيئاً وحده وليس معه ثان واسم شيث هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين في الأرض ثم ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان فلما أدركا وأراد الله عز وجل أن يبلغ بالنسل ما ترون وأن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرم الله عز وجل من الأخوات على الأخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنة اسمها نزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من شيث فزوجها منه ثم أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة فأمر الله عز وجل آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه فولد لشيث غلام وولد ليافث جارية فأمر الله تعالى آدم حين أدركا أن يزوج ابنه يافث من ابن شيث ففعل وولد الصفوة من النبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الأخوة والأخوات.
وفي الفقيه عنه عليه السلام ان آدم ولد له شيث وان اسمه هبة الله وهو أول وصي أوصى إليه من الآدميين وساق الحديث إلى آخر ما ذكره.
وفي العلل والعياشي عنه عليه السلام قيل له ان الناس يزعمون أن آدم زوج ابنته من ابنه فقال قد قال الناس ذلك ولكن أما علمت أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال لو علمت أن آدم زوج ابنته من ابنه لزوجت زينب من القاسم وما كنت لأرغب عن دين آدم.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام أنه ذكر له المجوس وأنهم يقولون نكاح كنكاح ولد آدم وأنهم يحاجوننا بذلك فقال أما أنتم فلا يحاجونكم به لما أدرك هبة الله قال آدم يا رب زوج هبة الله فاهبط الله حوراء فولدت له اربعة غلمة ثم رفعها الله فلما أدرك ولد هبة الله قال يا رب زوج ولد هبة الله فأوحى الله عز وجل إليه أن يخطب إلى رجل من الجن وكان مسلماً أربع بنات له على ولد هبة الله فزوجهن فما كان له من جمال وحلم فمن قبل الحوراء والنبوة للانتهاء إلى آدم عليه السلام وما كان من سفه أو حدة فمن الجن.
والعياشي عنه عليه السلام قال ان آدم له أربعة ذكور فاهبط الله إليه أربعة من الحور فزوج كل واحد منهم واحدة فتوالدوا ثم ان الله رفعهن وزوج هؤلاء الأربعة أربعة من الجن فصار النسل فيهم فما كان من حلم فمن آدم وما كان من جمال فمن قبل الحور العين وما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجن. وفي رواية لما ولد لآدم هبة الله وكبر سأل الله أن يزوجه فأنزل الله له حوراء من الجنة فزوجها إياه فولدت له أربعة بنين ثم ولد لآدم ابن آخر فلما كبر أمره أن تزوج الجان فولد له أربع بنات فتزوج بنو هذا بنات هذا فما كان من جمال فمن قبل الحوراء وما كان من حلم فمن قبل آدم وما كان من خفة فمن قبل الجان فلما توالدوا صعدت الجحوراء إلى السماء.
وفي الفقيه عنه عليه السلام ان الله عز وجل أنزل على آدم حوراء من الجنة فزوجها أحد إبنيه وتزوج الآخر ابنة الجان فما كان في الناس من جمال كثير أو حسن خلق فهو من الحوراء وما كان فيهم من سوء خلق فهو من آدم الجان.
وفي قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام حملت حواء هابيل وأختاً له في بطن ثم حملت في البطن الثاني قابيل وأختاً في بطن فتزوج هابيل التي مع قابيل وتزوج قابيل التي مع هابيل ثم حدث التحريم بعد ذلك.
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاماً وجارية فولدت في أول بطن قابيل وقيل قابين وتوأمته اقليما بنت آدم والبطن الثاني هابيل وتوأمته لوزاء فلما أدركوا جميعاً أمر الله آدم أن ينكح قابيل أخت هابيل وهابيل أخت قابيل فرضي هابيل وأبى قابيل لأن أخته كانت أحسنهما وقال ما أمر الله بهذا ولكن هذا من رأيك فأمرهما أن يقربا قرباناً فرضيا بذلك "الحديث" ويأتي تمامه في سورة المائدة عند تفسير { واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنَي آدَمَ }.
وفي الاحتجاج عن السجاد عليه السلام يحدث رجلاً من قريش قال لما تاب الله على آدم واقع حواء ولم يكن غشيها منذ خلق وخلقت إلا في الأرض وذلك بعدما تاب الله عليه قال وكان يعظم البيت وما حوله من حرمة البيت فكان إذا أراد أن يغشى حواء خرج من الحرم وأخرجها معه فإذا جاء الحرم غشيها في الحل ثم يغتسلان اعظاماً منه للحرم ثم يرجع إلى فناء البيت قال فولد لآدم من حواء عشرون ذكراً وعشرون أنثى يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فأول بطن ولدت حواء هابيل ومعه جارية يقال لها اقليما قال وولدت في البطن الثاني قابيل ومعه جارية يقال لها لوزاء وكانت لوزاء أجمل بنات آدم قال فلما أدركوا خاف عليهم آدم الفتنة فدعاهم إليه وقال أريد أن أنكحك يا هابيل لوزاء وأنكحك يا قابيل اقليما قال قابيل ما أرضى بهذا أتنكحني اخت هابيل القبيحة وتنكح هابيل أختي الجميلة قال فأنا أقرع بينكما فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزاء أو خرج سهمك يا هابيل على اقليما زوجت كل واحدة منكما التي خرج سهمه عليها قال فرضيا بذلك فاقرعا قال فخرج سهم قابيل على اقليما اخت هابيل وخرج سهم هابيل على لوزاء اخت قابيل قال فزوجهما على ما خرج لهما من عند الله قال ثم حرم الله تعالى نكاح الأخوات بعد ذلك قال فقال له القرشي فأولداهما قال نعم فقال له القرشي فهذا فعل المجوس اليوم قال فقال عليه السلام ان المجوس انما فعلوا ذلك بعد التحريم من الله ثم قال عليه السلام له لا تنكر هذا إنما هي شرائع الله جرت أليس الله قد خلق زوجته آدم منه ثم أحلها له فكان ذلك شريعة من شرائعهم ثم أنزل الله التحريم بعد ذلك، إن قيل كيف التوفيق بين هذه الأخبار والأخبار الأولى قلنا الأخبار الأولى هي الصحيحة المعتمد عليها وإنما الأخيرة فانما وردت موافقة للعامة فلا اعتماد عليها مع جواز تأويلها بما توافق الأولة { وَاتّقُوا اللهَ الّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ } أي يسأل بعضكم بعضاً فيقول أسالك بالله واصله تتساءلون فأدغمت التاء في السين وقرئ بالتخفيف وطرح التاء { وَالأَرْحَامَ } واتقوا الأرحام ان تقطعوها.
كذا في المجمع، عن الباقر عليه السلام وقيل هو من قولهم أسألك بالله والرحم أن تفعل كذا أو أنشدك الله والرحم يعني كما أنكم تعظمون الله بأقوالكم فعظموه بطاعتكم إياه وعليه بناء قراءته بالجر.
والقمي قال تساءلون يوم القيامة عن التقوى هل اتقيتم وعن الرحم هل وصلتموها.
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هي أرحام الناس ان الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها ألا ترى أنه جعلها معه.
أقول: يعني قرنها باسمه في الأمر بالتقوى.
وفي الكافي عنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال صلوا أرحامكم ولو بالتسليم ثم تلا هذه الآية.
وعن الرضا عليه السلام ان رحم آل محمد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم لمعلقة بالعرش تقول أللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ثم هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين ثم تلا هذه الآية.
وفي العيون عنه عليه السلام ان الله أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة إلى قوله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله.
وعنه عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
"لما أسري بي إلى السماء رأيت رحماً بالعرش تشكو رحماً إلى ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أباً { إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } حفيظاً" .