التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ يَشْتَرُونَ ٱلضَّلَٰلَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ
٤٤
وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً
٤٥
مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
٤٦
يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ ءَامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً
٤٧
إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً
٤٨
-النساء

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (44) أَلَمْ تَرَ إلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً } حظاً يسيراً { مِنَ الْكِتَابِ } من علم التوراة كما قيل أنها نزلت في أخبار اليهود { يَشْتَرُونَ الضَّلاَلَةَ } يستبدلون بالهدى بعد حصوله لهم بالمعجزات الدالة على صدق محمد صلّى الله عليه وآله وسلم وأنه المبشر به في التوراة { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا } ايها المؤمنون { السّبِيلَ } سبيل الحق.
{ (45) وَاللهُ أَعْلَمُ } مِنْكُمْ { بِأَعدَائِكُمْ } وقد أخبركم بعداوة هؤلاء وما يريدون بكم فاحذروهم { وَكَفَى بِاللهِ وَلِيّاً } يلي أمركم { وَكَفَى بِاللهِ نَصِيراً } يعينكم فثقوا به واكتفوا به عن غيره.
{ (46) مِنَ الّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوْاضِعِهِ } يميلون عنها بتبديل كلمة مكان أخرى كما حرفوا في وصف محمد صلّى الله عليه وآله وسلم اسمر ربعة عن موضعه في التوراة ووضعوا مكانه أدم طوال { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك { وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } يعنون اسمع منا ندعو عليك بلا سمعت أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه { وَرَاعِنَا } انظرنا نكلمك أو نفهم كلامك يعنون به السب فان راعنا سب في لغتهم { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } فتلاً بها وصرفاً للكلام إلى ما يشبه السب حيث وضعوا راعنا المشابه لما يتسابون به موضع انظرنا وراقبنا وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروهاً أو قتلاً بها وضمّاً ما يظهرون من الدعاء والتوقير إلى ما يضمرونه من الشتم والتحقير نفاقاً { وَطَعْناً فِي الدِّينِ } استهزاء به وسخرية { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ } واعدل واسد { وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللهُ } خذلهم وأبعدهم عن الهدى { بِكُفْرِهِمْ } بسبب كفرهم { فَلا يُؤْمِنُونَ إلاَّ قَلِيلاً } إلا أيماناً قليلاً لا يعبأ به وهو الإيمان ببعض الآيات والرسل وإيماناً ضعيفاً لا اخلاص فيه أو الا قليلاً منهم.
{ (47) يَا أَيُّهَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِن قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا }.
في المجمع عن الباقر عليه السلام ان المعنى نطمسها عن الهدى فنردها على ادبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح ابداً والطمس ازالة الصورة ومحو التخطيط { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السّبْتِ } أو نخزيهم بالمسخ كما أخزيناهم به { وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً } فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا.
{ (48) إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ } لأنه حكم على خلود عذابه من جهة أن ذنبه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو الا أن يتوب ويرجع إلى التوحيد فان باب التوبة مفتوح أبداً { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } ما دون الشرك صغيراً كان أو كبيراً { لِمَن يَشَاءُ } تفضلاً عليه واحساناً.
في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال الكبائر فما سواها.
وفيه وفي الفقيه أنه سئل هل تدخل الكبائر في مشية الله قال نعم ذاك إليه عز وجل ان شاء عذب عليها وان شاء عفى عنها.
والقمّي عنه عليه السلام ما يقرب من صدره.
وفي الفقيه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في حديث ولقد سمعت حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يقول
"لو أن المؤمن خرج من الدنيا وعليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفارة لتلك الذنوب ثم قال من قال لا إله إلاَّ الله باخلاص فهو برئ من الشرك ومن خرج من الدنيا لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ثم تلا هذه الآية ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من شيعتك ومحبيك يا علي قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام فقلت يا رسول الله هذا لشيعتي قال أي وربي انه لشيعتك" .
والعياشي عن الباقر عليه السلام ان الله لا يغفر أن يشرك به يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي صلوات الله عليه ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء لمن والى علياً عليه السلام.
وعن الصادق عليه السلام انه سئل عن أدنى ما يكون الإِنسان مشركاً قال من ابتدع رأياً فأحب عليه أو ابغض.
وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام ما في القرآن آية أحب إلي من قوله عز وجل ان الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء { وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إثْماً عَظِيماً } ارتكب ما يستحقر دونه من الآثام والإِفتراء كما يطلق على القول يطلق على الفعل.