التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ
٧
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٨
قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٩
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ
١٠
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
١٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٣
أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ
١٦
-الأحقاف

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (6) وَإِذَا حُشِرَ النّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَآءً } يضرّونهم ولا ينفعونهم { وَكَانُوا بِعِبادَتِهِمْ كَافِرِينَ } كلّ من الضميرين ذو وجهين.
{ (7) وَإِذَا تُتْلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ } لأجله وفي شأنه { لَمّا جَآءَهُمْ هذَا سِحْرٌ مُبِينٌ } ظاهر بطلانه.
{ (8) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ } اضراب عن ذكر تسميتهم ايّاه سحراً الى ذكر ما هو اشنع منه وانكار له وتعجيب { قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ } على الفرض { فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً } اي ان عاجلني الله بالعقوبة فلا تقدرون على دفع شيء منها فكيف اجترىء عليه واعرض نفسي للعقاب من غير توقّع نفع ولا دفع ضرّ من قبلكم { هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ } تندفعون فيه من القدح في آياته { كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } يشهد لي بالبلاغ وعليكم بالكذب والانكار وهو وعيد بجزاء افاضتهم { وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } وعد بالمغفرة والرحمة لمن تاب وآمن واشعار بحلم الله عنهم مع جرأتهم قد سبق من العيون حديث في شأن نزول هذه الآية في سورة الشورى عند قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده.
{ (9) قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ } بديعاً منهم ادعوكم الى ما لم يدعوا اليه واقدر على ما لم يقدروا عليه { وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ } في الدارين على التفصيل اذ لا علم لي بالغيب وقد سبق في هذه الآية من الاحتجاج حديث في المقدّمة السادسة { إِنْ أَتَّبعُ إلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ } لا اتجاوزه { وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ } عن عقاب الله { مُبِينٌ } يبيّن الانذار عن العواقب بالشواهد المبينّة والمعجزات المصدّقة.
{ (10) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ } اي القرآن { وَكَفَرتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ } قيل هو عبد الله بن سلام وقيل موسى عليه السلام وشهادته ما في التوارة من نعت الرسول صلّى الله عليه وآله { عَلَى مِثْلِهِ } ممّا في التوراة من المعاني المصدقة له المطابقة عليه { فَآمَنَ } اي بالقرآن لمّا رآه من جنس الوحي مطابقاً للحقّ { وَاسْتَكْبَرْتُمْ } عنِ الايمان { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَالِمِينَ } استيناف مشعر بأنّ كفرهم به لضلالهم المسبّب عن ظلمهم ودليل على الجواب المحذوف اي ألستم ظالمين.
{ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا } لاجلهم { لَوْ كَانَ خَيْراً } اي الايمان او ما جاء به محمد صلّى الله عليه وآله { مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وهم فقراء وموال ودعاة { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذَا إِفْكٌ } كذب { قَدِيمٌ } وهو كقولهم اساطير الأوّلين.
{ (12) وَمِنْ قَبْلِهِ } ومن قبل القرآن { كِتَابُ مُوسَى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ } لكتاب موسى { لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا } وقرىء بالتّاء { وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ }.
{ (13) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قيل اي جمعوا بين التوحيد الذي هو خلاصة العلم والاستقامة في الامور التي هي منتهى العمل وثمّ للدلالة على تأخّر رتبة العمل وتوقّف اعتباره على التوحيد والقمّي قال استقاموا على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وقد مرّ له بيان في حم السّجدة { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } من لحوق مكروه { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على فوات محبوب.
{ (14) اُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
{ (15) وَوَصَّيْنَا اْلإِنسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنَاً } وقرىء احساناً.
وفي المجمع عن عليّ عليه السلام حسناً بفتحتين { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } وقرىء بالفتح { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ } ومدّة حمله وفطامه وقرىء وفصله { ثَلاَثُونَ شَهْراً } ذلك كلّه بيان لما تكابده الام في تربية الولد مبالغة في التوصية بها { حَتّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ } استحكم قوّته وعقله { وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي } الهمني { أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَتِي إِنِّي تُبْتُ إلَيْكَ } عما يشغل عنك { وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } المخلصين لك.
{ (16) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ } وقرىء بالنون فيهما { فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ } في الدنيا.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال لمّا حملت فاطمة بالحسين عليهما السلام جاء جبرئيل عليه السلام الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقال انّ فاطمة ستلد غلاماً تقتله امّتك من بعدك فلما حملت فاطمة بالحسين عليهما السلام كرهت حمله وحين وضعته كرهت وضعه ثم قال لم تر في الدنيا امّ تلد غلاماً تكرهه ولكنّها كرهته لما علمت انّ سيقتل قال وفيه نزلت هذه الآية وفي رواية اخرى ثمّ هبط جبرئيل فقال يا محمد انّ ربّك يقرؤك السلام ويبشّرك بأنّه جاعل في ذرّيته الامامة والولاية والوصيّة فقال انّي رضيت ثم بشّر فاطمة بذلك فرضيت قال فلولا انّه قال اصلح لي في ذرّيتي لكانت ذرّيته كلّهم ائمّة قال ولم يرضع الحسين عليه السلام من فاطمة ولا من انثى كان يؤتى به النبيّ صلّى الله علي وآله فيضع ابهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول الله صلّى الله عليه وآله ودمه ولم يولد لستّة اشهر الاّ عيسى بن مريم عليه السلام والحسين عليه السلام.
وفي العلل عنه عليه السلام ما يقرب منا وزاد القمّي ونقص.
وفي ارشاد المفيد رووا انّ عمر اتي بامرأة قد ولدت لستّة اشهر فهمّ برجمها فقال له امير المؤمنين عليه السلام ان خاصمتك بكتاب الله خصمتك انّ الله تعالى يقول { وحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرَاً } يقول
{ { وَالوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتمَّ الرِّضاعَة } [البقرة: 233] لسنتين وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً كان الحمل منها ستّة اشهر فخلّى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك يعمل به الصحابة والتابعون ومن اخذ عنه الى يومنا هذا.
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام قال اذا بلغ العبد ثلاثاً وثلاثين سنة فقد بلغ اشدّه واذا بلغ اربعين سنة فقد بلغ وانتهى منتهاه فاذا طعن في احدى واربعين فهو في النقصان وينبغي لصاحب الخميسن ان يكون كمن كان في النّزع.