التفاسير

< >
عرض

قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ
١١٤
قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
١١٥
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (114) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدةً مِّنَ السَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً } قيل يكون يوم نزولها عيداً نعظّمه وكان يوم الأحَدولهذا اتخّذه النصارى عيداً وقيل بل العيد السرور العايد ومنه يوم العيد { لأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } نأكل منها جميعاً وقيل لمن في زماننا ولمن بعدنا { وَءَايَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأنتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ }.
{ (115) قَالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } اجابة الى سؤالكم وقرء منزلها بدون التشديد { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لآَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ } في المجمع عن الباقر عليه السلام أنّ عيسى بن مريم عليهما السلام قال لبني إسرائيل صوموا ثلاثين يوماً ثم سلوا الله ما شئتم يعطكموه فصاموا ثلاثين فلمّا فرغُوا قالوا إنّا لو عملنا لأحد من الناس فقضينا عمله لأطعمنا طعاماً وإنّا صمنا وجُعنا فادع الله أن ينزل علينا مائدةً من السَّمَاءِ فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أخوان حتى وضعتها بين أيديهم فأكل منها آخر الناس كما أكل أولهم.
"وعن عمار بن ياسر عن النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم نزلت المائدة خبزاً ولحماً وذلك أنهّم سألوا عيسى عليه السلام طعاماً لا ينفد يأكلون منه قال فقيل لهم فانّها مقيمة لكم ما لم تخونوا وتخبأ وترفعوا فان فَعَلتم ذلك عذّبتكم قال فما مضى يومهم حتّى خبأوا وترفّعوا وخانوا"
وعن سلمان الفارسي رضِي الله عنه أنه قال والله ما تبع عيسى عليه السلام شيئاً من المساوئ قطّ ولا انتهز شيئاً ولا قهقه ضحكاً ولا ذبّ ذباباً عن وجهه ولا أخذ على أنفه من نتن شيء قطّ ولا عبث قطّ ولما سأله الحواريّون أن ينزّل عليهم المائدة لبس صوفاً وبكى قال { الَلّهُمَ رَبَّنَا انزل علينا مائدة من السّماءِ } الآية فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين وهم ينظرون إليها وهي تهوي مُنْقَضَّةً حتّى سقطت بين أيديهم فبكى عيسى على نبّينا وآله وعليه السلام وقال اللّهُم اجعلني من الشاكرين اللّهم اجعلها رحمةً ولا تجعلها فتلة مثلة وعقوبةً واليهود ينظرون إليها ينظرون الى شيء لم يروا مثله قطّ ولم يجدوا ريحاً أطيب من ريحه.
فقام عيسى عليه السلام فتوضّأ وصلىّ صلاة طويلة ثم كشف المنديل عنها وقال بِسْم الله خير الرّازقين فاذا هو سمكة مشوّيه ليس عليها فلوس تسيل سيلاً من الدسم وعند رأسها ملح وعند ذنبها خلّ وحولها من الوان البقول ما عدا الكرّاث واذا خمسة أرغفة على واحد منها زيتون وعلى الثاني عسل وعلى الثالث سمن وعلى الرابع جبن وعلى الخامس قديد.
فقال شمعون ياروح الله أمن طعام الدّنيا هذا أم من طعام الآخرة فقال عيسى عليه السلام ليس شيء مما ترون من طعام الدّنيا ولا من طعام الآخرة ولكنه شيء افتعله الله بالقدرة الغالبة كلوا ما سألتم يمددكم ويرزقكم من فضلِهِ فقال الحواريّون يا روح الله لو أريتنا من هذه الآية اليوم آية أخرى فقال عيسى عليه السلام يا سمكة احيى باذن الله تعالى فاضطربت السّمكة وعاد عليها فلوسها وشوكها وفرّقوا منها فقال ما لكم تسألون أشياء إذا اعطيتموها كرهتموها ما أخوفني عليكم أن تعذّبوا يا سمكة عودي كما كنت باذن الله فعادت السمّكة مشويّة كما كانت فقالوا يا روح الله كن أوّل من يأكل منها ثم نأكل نحن فقال عيسى عليه السلام معاذ الله أن آكل منها ولكن يأكل منها من سألها فخافوا أن يأكلوا منها فدعا لها عيسى عليه السلام أهل الفاقة والزّمني والمرض والمبتلين فقال كلوا منها ولكم الهناء ولغيركم البلاء فأكل منها ألف وثلثماة رجل وامرأة من فقير ومريض ومبتلي وكلّهم شبعان تتجشّأ.
ثمّ نظر عيسى عليه السلام إلى السمكة فاذا هي كهيئتها حين نزلت من السّماءِ ثم طارت المائدة صعداء وهم ينظرون اليها حتى توارت عنهم فلم يأكل يومئذ منها زمن إلاّ صحّ ولا مريض إلاّ برء ولا فقير إلاّ استغنى ولم يزل غنيّاً حتى مات وندم الحواريّون ومن لم يأكل منها وكانت إذا نزلت اجتمع الأغنياء والفقراء والصغّار والكبار يتزاحمون عليها فلما رأى ذلك عيسى عليه السلام جعلها نوبةً بينهم فلبثت أربعين صباحاً تنزل ضحىً فلا تزال منصوبة يؤكل منها حتى إذا فاء الفيء طارت صعداء وهم ينظرون في ظلّها حتى توارت عنهم وكانت تنزل غبّاً يوماً ويوماً لا فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام اجعل مائدتي للفقراء دون الأغنياءِ فعظم ذلك على الأغنياء حتّى شكّوا وشككوا النّاس فيها فأوحى الله تعالى إلى عيسى أنّي شرطت على المكذّبين شرطاً أن من كفر بعد نزولها أعذّبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين فقال عيسى عليه السلام إن تعذّبهم فانهَم عبادك وان تغفِر لهم فانَّك أنت العزيز الحكيم فمسخ منهم ثلثمأة وثلاثة وثلاثون رجلاً باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم في ديارهم فأصبحوا خنازير يسعون في الطرقات والكناسات ويأكلون العذرة في الحشوش فلما رأى الناس ذلك فزعوا إلى عيسى (ع) وبكوا وبكى على الممسوخين أهلوهم فعاشوا ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا قال وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام كانت المائِدة تنزل عليهم فيجتمعون عليها ويأكلون منها ثم ترفع فقال كبراؤهم ومترفوهم لا ندع سفلتنا يأكلون منها فرفع الله المائِدة ببغيهم ومسخوا قردة وخنازير.
والقمي اقتصر على ما نسبه إلى تفسير أهل البيت عليهم السلام مقطوعاً والعياشي عن الباقر عليه السلام المائدة التي نزلت على بني اسرائيل كانت مدلاةً بسلاسل من ذهب عليها تسعة أَخْوِنَة وتسعة أرغفة وفي رواية أخرى تسعة الوان أرغفة.
وفي المجمع عن الكاظم عليه السلام أنهم مسخوا خنازير والعياشي مثله.
وفي التهّذيب عن الرضا عليه السلام والجرّيث والضّب فرقة من بني إسرائيل حيث نزلت المائدة على عيسى بن مريم عليها السلام لم يؤمنوا فتاهوا فوقعت فرقة في البحر وفرقة في البرّ وفي الخصال عن النبي صلىّ الله عليه وآله وسلم في حديث المسوخات وأما الخنازير فقوم نصارى سألوا ربهّم انزال المائِدة عليهم فلما أنزلت عليهم كانوا أشدّ ما كانوا كفراً وأشدّ تكذيباً.