التفاسير

< >
عرض

فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
٥٢
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ
٥٣
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٥٤
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (52) فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } كابن أُبيّ واضرابه { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } بموالاتهم ومعاونتهم { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَآئِِرَةٌ } يعتذرون بأنهم يخافون أن تصيبهم دائرة من الدّواير بأن ينقلب الأمر ويكون الدولة للكفار، "رويَ أن عبادة بن الصامت قال لرسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم أنّ لي موالي من اليهود كثيراً عددهم وأنّي أبرء إلى الله والى رسوله من ولايتهم وأوالي الله ورسوله فقال ابن أبيّ إنِّي رجل أخاف الدواير لا أبرئ من ولاية مواليّ فنزلت { فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِالفَتْحِ } لرسوله" { أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } فيه اعزاز المؤمنين واذلال المشركين وظهور الإِسلام { فَيُصْبِحُواْ } أي هؤلاءِ المنافقين { عَلَى مَآ أَسَرُّوا فِى أَنفُسِهِمْ } من النفاق والشك في أمر الرسول { نَادِمِينَ }.
العياشي عن الصادق عليه السلام في تأويل هذه الآية اذن في هلاك بني أميّة بعد احراق زيد سبعة أيام.
{ (53) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } بعضهم لبعض أو لليهود وقرء بدون واو العطف وبالنّصب عطفاً على يأتي { أَهؤُلآَءِ الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمعَكُمْ } تعجباً من حال المنافقين وتبجحاً بما من الله عليهم مِن الإخلاص وجهد الأيمان أغلظها { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } أمّا من جهة المقول أو من قول الله شهادةً لهم.
وفيه معنى التعجّب كأنه قيل ما أحبط أعمالهم ما أخسرهم.
{ (54) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمُنُواْ مَنْ يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَنْ دِينِهِ } وقرء يرتدد بدالين جوابه محذوف يعني فلن يضرّ دين الله شيئاً فانّ الله لا يخلّى دينه من أنصار يحمونه.
القميّ قال هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الّذِينَ غصبوا آل محمد صلوات الله عليهم حقّهم وارتدوا عن دين الله { فَسَوْفَ يأتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } يحبهم الله ويحبون اللَّهَ وقد سبق معنى المحبّة من الله ومن العباد { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } رحماء عليهم من الذِّلِّ بالكسر الّذي هو اللينّ لا من الذُّل بالضّمِ الّذي هو الهوان { أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } غلاظ شداد عليهم من عَزَّه اذا غلبه { يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ } بالقتال لإِعلاء كلمة الله واعزاز دينه { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآَئِمٍ } فيما يأتون من الجهاد والطاعة.
في المجمع عن الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام هم أمير المؤمنين وأصحابه حتى قاتل من قاتله من النَّاكثين والقاسطين والمارقين.
قال ويؤيّد هذ أن النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم وصفه بهذه الصّفات حين ندبه لفتح خيبر بعد أن ردّ عنها صاحب الرَّاية اليه مرة بعد أخرى وهو يجبّن الناس يجبّنونه لأُعطينّ الرّاية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّاراً غير فرّار لا يرجع حتىّ يفتح على يديه ثمّ اعطاها إيّاها فأمّا الوصف باللين على أهل الإِيمان والشدة على الكفار والجهاد في سبيل الله مع أنه لا يخاف لومة لائم فمما لا يمكن دفع عليّ عن استحقاق ذلك لما ظهر من شدّته على أهل الشرك والكفر ونكابته فيهم ومقاماته المشهورة في تشييد الملّة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنين وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال يوم البصرة والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم وتلا هذه الآية،
"وعن النبيّ صلىّ الله عليه وآله وسلم يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلّئون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي أصحابي فيقال لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهّم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى" .
والقمي أنهّا نزلت في مهدي الأمة وأصحابه عليهم السلام وأوّلها خطاب لمن ظلم آل محمد صلوات الله عليهم وقتلهم وغصبهم حقهم.
وفي المجمع ويمكن أن ينصر هذا بأن قوله سبحانه فسوف يأتي الله بقوم يوجب أن يكون ذلك القوم غير موجودين في وقت نزول الخطاب فهو يتناول من يكون بعدهم بهذه الصفة الى قيام السَّاعة.
أقول: لا منافاة بين الرّوايتين على ما حقّقناه في المقدمات من جواز التعميم { ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ } أي محبّتهم لله سبحانه ولين جانبهم للمؤمنين وشدّتهم على الكافرين تفضّل من الله وتوفيق ولطف منه ومنّة من جهته { يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَآءُ } يعطيه من يعلم أنّه محلّ له { وَاللَّهُ وَاسِعٌ } جواد لا يخاف نفاد ما عنده { عَلِيْمٌ } بموضع جوده وعطائه.