التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ
٩١
-المائدة

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (90) يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَاْلأَنصَابُ وَاْلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } في الكافي "عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الآيةقيل يا رسول الله ما الميسر فقال كلّ ما تقوم عليه حتى الكعاب والجوز قيل فما الأنصاب قال ما ذبحوا لآلهتهم قيل فما الأزلام قال قداحهم التي يستقسمون بها."
أقول: قد مضى في تفسير الأنصاب والأزلام حديث آخر في أول السورة وفي الآية ضروب من التأكيد في تحريم الخمر والميسر وقد مضت أخبار في ذلك عند قوله تعالى { { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219] والقمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا خمر فهو خمر وما أسكر كثيره فقليله حرام وذلك "أنّ أبا بكر شرب قبل أن يحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر ويبكي على قتلى المشركين من أهل بدر فسمع النبي صلىّ الله عليه وآله وسلم فقال اللهم امسك على لسانه فامسك فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فأنزل الله تحريمها بعد ذلك وإنما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسر والتّمر فلما نزل تحريمهاخرج رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم فقعد بالمسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فكفأها كلها وقال هذه كلها خمر فقد حّرَّمها الله" فكان أكثر شيء كفى في ذلك يومئذ من الأشربة الفضيخ ولا أعلم كفى يومئِذ من خمر العنب شيء الاّ اناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعاً فأمّا عصير العنب لم يكن يومئِذ بالمدينة منه شيء حرّم الله الخمر قليلها وكثيرها وبيعها وشرائها والإِنتفاع بها وقال رسول الله صلىّ الله عليه وآله "من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد فاجلدوه فان عاد في الرابعة فاقتلوه وقال حقّ على الله أن يسقى من شرب الخمر مما يخرج من فروج الموسمات المومسات" والمومسات الزّواني يخرج من فروجهن صديد والصديد قيح ودم غليظ مختلط يؤذي أهل النار حرّه ونتنه " وقال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم من شَرِبَ الخمر لم تقبل منه صلاة أربعين ليلة فان عاد فأربعين ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الأربعين من غير توبة سقاه الله يوم القيامة من طينة خبال" (الخبال الفساد) وسمّي المسجد الذي قعد فيه رسول الله صلىّ الله عيه وآله وسلم يوم أكفيت الأشربة مسجد الفضيخ من يومئِذ لأنّه كان أكثر شيء اكفأ من الأشربة الفضيخ فأما الميسر فالنّرد والشطرنج وكل قمار ميسر وأما الأنصاب فالأوثان التي كان يعبدهَا المشركون وأما الأزلام فالقداح التي كانت يستقسم بها مشركو العرب في الأمور في الجاهليه كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من الله محّرم وهو رجس من عمل الشيطان وقرن الله الخمر والميسر مع الأوثان. وفي الخصال "عن الباقر لعن رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقيها وحاملها والمحمول اليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها" .
{ (91) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَن الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنْتَهُونَ } قيل انما خصّ الخمر والميسر باعادة الذكر وشرح ما فيهما من الوبال تنبيهاً على أنهما المقصود من البيان وذكر الأنصاب والأزلام للدلالة على أنهما مثلهما في الحرمة والشرارة كقول النّبي صلىّ الله عليه وآله وسلم شارب الخمر كعابد الوثن وخصّ الصّلاة من الذكر بالافراد للتعظيم والإِشعار بأن الصاد عنها كالصادّ عن الإِيمان من حيث أنها عماده والفارق بينه وبين الكفر ثم اعاد الحثّ على الإِنتهاءِ بصيغة الإِستفهام مرتباً على ما تقدم من أنواع الصوارف إيذاناً بأنّ الأمر في المنع والتحذير بلغ الغاية وان الأعذار قد انقطعت.