التفاسير

< >
عرض

أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ
١٥
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ
١٦
إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ
١٧
مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
١٨
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ
١٩
وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ
٢٠
وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١
لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
٢٢
وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ
٢٣

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (15) أَفَعَيينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ } افعجزنا عن الابداء حتّى نعجز عن الاعادة { بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍِ جَدِيدٍ } اي هم لا ينكرون قدرتنا عن الخلق الاوّل بل هم في خلط وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة والتنكير للتعظيم والاشعار بانّه على وجه غير متعارف ولا معتاد في التوحيد عن الباقر عليه السلام انّه سئل عن هذه الآية فقال تأويل ذلك انّ الله تعالى اذا افنى هذا الخلق وهذا العالم وسكن اهل الجنّة الجنّة واهل النار النار جدّد الله عالماً غير هذا العالم وجدّد خلقاً من غير فحولة ولا اناث يعبدونه ويوحّدونه وخلق لهم ارضاً غير هذه الأرض تحملهم وسماء غير هذه السماء تظلّهم لعلّك ترى انّ الله انّما خلق هذا العالم الواحد وترى انّ الله لم يخلق بشراً غيركم بلى والله لقد خلق الف الف عالم والف الف آدم انت في آخر تلك العوالم واولئك الآدميّين.
وفي الخصال والعيّاشي عنه عليه السلام ما يقرب منه وقد مضى في سورة ابراهيم عليه السلام.
{ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } ما تحدث به نفسه وهو ما يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفيّ { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } الحبل العرق فاضافته للبيان والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدّمها متّصلان بالوتين يردان اليه من الرأس وحبل الوريد مثل في القرب.
{ (17) إِذْ يَتَلّقى المُتَلَقِّيانِ } اذ يتلقّى الحفيظان ما يتلفّظ به وفيه اشعار بأنّه غنيّ عن استحفاظ الملكين فانّه اعلم منهما ومطّلع على ما يخفى عليهما لأنّه اقرب اليه منهما ولكنّه لحكمة اقتضته من تشديد في تثبّط العبد عن المعصية وتأكيد في اعتبار الاعمال وضبطها للجزاء والزام الحجّة يوم يقوم الاشهاد { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قعِيدٌ }.
{ (18) مَا يَلفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ } ملك يرقب عمله { عَتِيدٌ } معدّ حاضر.
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال ما من قلب الاّ وله اذنان على احديهما ملك مرشد وعلى الاخرى شيطان مفتن هذا يأمره وهذا يزجره الشيطان يأمره بالمعاصي والملك يزجره عنها وقوله تعالى { عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ الاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌُ عَتِيدٌ }. وفي الجوامع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قال كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على شماله وصاحب اليمين امير على صاحب الشمال فاذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشراً واذا عمل سيّئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعلّه يسبّح او يستغفر.
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام عنه صلّى الله عليه وآله ما يقرب منه ويستفاد منه انّ كليهما ملكان كاتبان فلعلّ الكاتبين غير الآمر والزاجر.
{ (19) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بالْحَقِّ } لما ذكر استبعادهم البعث وازاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه اعلمهم بانّهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة ونبّه على اقترابه بأن عبّر عنه بلفظ الماضي وسكرة الموت شدّته الذّاهبة بالعقل.
وفي المجمع في الشواذ وجاءت سكرة الحقّ بالموت قال ورواها اصحابنا عن أئمّة الهدى عليهما السلام والقمّي قال نزلت وجاءت سكرة الحق بالموت { ذلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } تميل وتقرّ عنه والخطاب للانسان القمّي قال نزلت في الأوّل.
{ (20) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ } يعني نفخة البعث { ذلِكَ يُوْمُ الْوَعِيدِ } يوم تحقّق الوعيد وانجازه.
{ (21) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سَائِقٌ وَشَهِيدٌ }.
في نهج البلاغة سائق يسوقها الى محشرها وشاهد يشهد عليها بعملها.
{ (22) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذَا } على اضمار القول { فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطائَكَ } الغطاء الحاجب لامور المعاد وهو الغفلة والانهماك في المحسوسات والالف بها وقصور النظر عليها { فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } نافذ لزوال المانع للابصار.
{ (23) وَقَالَ قَرِينُهُ } قيل الملك الموكّل عليه او الشيطان الذي قيّض له والقمّي اي شيطانه هو الثاني.
وفي المجمع عنهما عليهما السلام يعني الملك الشهيد عليه { هذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لديّ او هذا ما عندي وفي ملكتي هيّأته لجهنّم باغوائي واضلالي.