الصافي في تفسير كلام الله الوافي
{ (50) فَفِرُّوا إِلى اللَّهِ } قيل فرّوا من عقابه الى الايمان والتوحيد وملازمة الطاعة.
وفي الكافي والمعاني عن الصادق عليه السلام ففرّوا الى الله قال حجّوا الى
الله.
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام مثله { إِنّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } قيل اي من
عذابه المعدّ لمن اشرك وعصى.
{ (51) وَلاَ تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنَّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ } تكرير للتأكيد او
الاوّل مرتّب على ترك الايمان والطاعة والثاني على الاشراك.
{ (52) كَذَلِكَ } اي الأمر مثل ذلك والاشارة الى تكذيبهم الرسول وتسميتهم ايّاه
ساحراً او مجنوناً { مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } كالتفسير
له.
{ (53) أَتَوَاصَوْا بِهِ } اي كأن الأوّلين والآخرين منهم اوصى بعضهم بعضاً بهذا
القول حتّى قالوه جميعاً { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } اضراب عن انّ التواصي جامعهم لتباعد
ايّامهم الى انّ الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
{ (54) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ } فأعرض عن مجادلتهم بعد ما كرّرت عليهم الدعوة فأبوا الاّ
الاصرار والعناد { فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ } على الاعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.
{ (55) وَذَكِّرْ فِإنَّْ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } فانّها تزداد بصيرة.
في الكافي عن الباقر والصادق عليهما السلام انّهما قالا انّ الناس لما كذبوا
رسول الله صلّى الله عليه وآله هم الله تعالى باهلاك اهل الأرض الاّ عليّاً فما سواه
بقوله فتولّ عنهم فما انت بملوم ثم بدا له فرحم المؤمنين ثم قال لنبيّه صلّى الله عليه
وآله وذكّر فانّ الذّكرى تنفع المؤمنين والقمّي مثله.
وفي العيون عن الرضا عليه السلام اراد هلاكهم ثم بدا لله فقال وذكّر الآية.
وفي المجمع عن عليّ عليه السلام لمّا نزلت فتولّ عنهم لم يبق احد منّا الاّ
ايقن بالهلكة فلمّا نزل وذكّر الآية طابت انفسنا.
{ (56) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ }.
في العلل عن الصادق عليه السلام قال خرج الحسين بن عليّ عليهما السلام
على اصحابه فقال ايّها الناس انّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد الاّ ليعرفوه فاذا عرفوه
عبدوه واذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه فقال له رجل يا ابن رسول الله
بأبي انت وامّي فما معرفة الله قال معرفة اهل كلّ زمان امامهم الذي تجب عليهم
طاعته.
وعن الصادق عليه السلام انّه سئل عن هذه الآية فقال خلقهم ليأمرهم بالعبادة
قيل قوله تعالى { { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } [هود: 118-119] ولذلك خلقهم قال خلقهم
ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.
والقمّي قال خلقهم للامر والنهي والتكليف وليست خلقة جبر أن يعبدوه ولكن
خلقة الاختيار ليختبرهم بالامر والنهي ومن يطع الله ومن يعصي وفي حديث آخر هي
منسوخة بقوله { { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } [هود: 118]
والعيّاشي عنه عليه السلام انّه سئل عنها قال خلقهم للعبادة قيل قوله { { وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } [هود: 118-119] فقال نزلت هذه بعد تلك.
أقولُ: لمّا كان خلق العالم انّما هو للامام الذي لا تخلو الارض منه وخلق
الامام انّما هو للعبادة الناشئة من المعرفة المورثة لمعرفة اخرى كما حقّق في محلّه
صحّ ان يقال خلق الجنّ والانس انّما هو لحصول العبادة ولمّا كان الكلّ داخلاً تحت
التكليف والعبادة مطلوبه من الكلّ اختياراً واختباراً وان لم يأتمر الكلّ بسوء اختيار
بعضهم جاز ان يقال خلقهم انّما هو للتكليف بها ولمّا صاروا مختلفين وتمرّد اكثرهم
عن العبادة بعد كونهم جميعاً مأمورين بها جاز ان يقال هذه منسوخة بتلك فالاخبار
كلّها متلائمة غير مختلفة ولا نسخ في الحقيقة بالمعنى المعهود منه فليتدبّر.