التفاسير

< >
عرض

لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
٢٣
ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٤
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (23) لِكَيْلا تَأْسَوْا } اي اثبت وكتب لئلاّ تحزنوا { عَلى مَا فَاتَكُمْ } من نعم الدنيا { وَلاَ تَفْرَحُوا بِما ءَاتَاكُمْ } اعطاكم الله منها فانّ من علم انّ الكلّ مقدّر هان عليه الأمر وقرىء فما اتاكم من الاتيان ليعادل ما فاتكم في نهج البلاغة الزهد كلّه بين كلمتين من القرآن قال الله تعالى لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد اخذ الزهد بطرفيه.
وفي الكافي والقمّي عن السجّاد عليه السلام الا وانّ الزهد في آية من كتاب الله ثم تلا هذه الآية.
وعن الباقر عليه السلام نزلت في ابي بكر واصحابه واحدة مقدّمة وواحدة مؤخّرة لا تاْسَوْا عَلى ما فاتكم ممّا خص به عليّ بن ابي طالب عليه السلام ولا تفرحوا بما اتاكم من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله { وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ } فيه اشعار بأنّ المراد بالاسى الاسى المانع عن التسليم لأمر الله وبالفرح الفرح الموجب للبطر والاحتيال اذ قلّ من يثبت نفسه حال الضرّاء والسرّاء.
{ (24) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ } بدل من كلّ مختال فانّ المختال بالمال يضنّ به غالباً او مبتدأ خبره محذوف لدلالة ما بعده عليه { وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَغَنِيُّ الْحَمِيدُ } ومن يعرض عن الانفاق فانّ الله غنّي عنه وعن انفاقه محمود في ذاته لا يضرّه الاعراض عن شكره ولا ينتفع بالتقرّب اليه بشيء من نعمه وفيه تهديد واشعار بأنّ الأمر بالانفاق لمصلحة المنفق وقرىء فانّ الله الغنيّ.
{ (25) لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنا بِالْبَيِّنَاتِ } بالحجج والمعجزات { وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتابَ }.
في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الآية الكتاب الاسم الأكبر الذي يعلم به عليم كلّ شيء الذي كان مع الانبياء قال وانّما عرف مما يدعى الكتاب التوارة والانجيل والفرقان فيها كتاب نوح وفيها كتاب صالح وشعيب وابراهيم فأخبر الله عزّ وجلّ انّ هذا لفي الصّحف الاولى صحف ابراهيم وموسى عليهما السلام فأين صحف ابراهيم عليه السلام إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر وصحف موسى عليه السلام الاسم الأكبر { وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } بالعدل القمّي قال الميزان الامام عليه السلام.
وفي الجوامع روي انّ جبرئيل نزل بالميزان فدفعه الى نوح عليه السلام وقال مُرْ قومك يزنوا به { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } فانّ الآت الحروب متّخذة منه.
وفي التوحيد عن امير المؤمنين عليه السلام يعني السلاح.
وفي الاحتجاج عنه انزاله ذلك خلقه له { وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ } اذما من صنعة الاّ والحديد آلتها.
في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله انّ الله عزّ وجلّ انزل اربع بركات من السماء الى الأرض انزل الحديد والنار والماء والملح { وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } باستعمال الاسلحة في مجاهدة الكافر والعطف على محذوف دلّ عليه ما قبله فانّه يتضمّن تعليلاً { إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ } على إهلاك من اراد اهلاكه { عَزِيزٌ } لا يفتقر الى نفسه وانّما امرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.
{ (26) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْرَاهيِمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ } فمن الذرّيّة { مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ } خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن سنن المقابلة للمبالغة في الذم والدلالة على انّ الغلبة للضلال.
{ (27) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى أَثارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } اي ارسلنا رسولاً بعد رسول حتّى انتهى الى عيسى عليه السلام والضمير لنوح عليه السلام وابراهيم عليه السلام ومن ارسلا اليهم او من عاصرهما من الرسل لا للذرّية فانّ الرسل المقفّى بهم من الذرّية { وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها } قيل هي للمبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس منسوبة الى الرّهبان وهو المبالغ في الخوف من وهب.
في الكافي والفقيه والعيون عن ابي الحسن عليه السلام قال صلاة اللّيل { مَا كَتَبْناها عَلَيْهِمْ } ما فرضناها عليهم { إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ } ولكنّهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله { فَمَا رَعَوْهَا } اي فما رعوا جميعاً { حَقَّ رِعَايَتِها } لتكذيبهم بمحمّد صلّى الله عليه وآله.
كذا في المجمع عن النبيّ صلّى الله عليه وآله مرفوعاً { فَأَتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ } خارجون عن الاتباع.
في المجمع عن ابن مسعود قال دخلت على رسول الله صلّى الله عليه وآله قال يا ابن مسعود اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة نجا منها اثنتان وهلك سايرهنّ فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى عليه السلام فقتلوهم وفرقة لم يكن لهم طاقة لموازاة الملوك ولا ان يقيموا بين ظهر انيهم يدعونهم الى دين الله تعالى ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله عزّ وجلّ ورُهْبانيّةً ابتدعُوها ما كتبناها عليهم ثمّ قال النبيّ صلّى الله عليه وآله من آمن بي وصدّقني واتبعني فقد رعاها حقّ رعايتها ومن لم يؤمن بي فاُولئك هم الهالكون.
وفي رواية قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بمعاصي الله فغضب اهل الايمان فقاتلوهم فهزم اهل الإِيمان ثلاث مرّات فلم يبق منهم الاّ القليل فقالوا ان ظهرنا لهؤلاء افنونا ولم يبق من الذين آمنوا احد يدعو اليه فتعالوا نتفرّق في الأرض الى أن يبعث الله النبيّ صلّى الله عليه وآله الذي وعدنا عيسى عليه السلام يعنون محمداً صلّى الله عليه وآله فتفرّقوا في غيران الجبال واحدثوا رهبانيّة فمنهم من تمسّك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية.