التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ
١٢٨
وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٢٩
يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
١٣٠
ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ
١٣١
وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
١٣٢
وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ
١٣٣
إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ
١٣٤
قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ
١٣٥
-الأنعام

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (128) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً } واذكر يوم نحشرهم أو يوم يحشرهم وقرىء بالياءِ ثم نقول { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ } يعني الشياطين { قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنْسِ } أضللتم منهم كثيراً.
القميّ قال كلّ من والى قوماً فهو منهم وان لم يكن من جنسهم { وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ } الذين اتبعوهم وأطاعوهم { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } أي انتفع الانس بالشّياطين حيث دلّوهم على الشهوات وما يوصل إليها وانتفع الشياطين بالإِنس حيث أطاعوهم وحصلوا مرادهم { وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا }.
القميّ يعني القيامة { قََالَ } قال الله لهم { النَّارُ مَثْوَاكُمْ } مقامكم { خَالِدِينَ فِيهَآ } مؤبّدين { إلاَّ مَا شَآءَ اللهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ } في أفعاله { عَلِيمٌ } بأعمال الثقلين وأحوالهم.
{ (129) وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } نكل بعضهم إلى بعض.
القميّ قال نوليّ كلّ من يوليّ أولياءهم فيكونون معهم.
وفي الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام ما انتصر الله من ظالم إلاّ بظالم وذلك قوله عزّ وجلّ وكذلك نوليّ بعض الظالمين بعضاً.
{ (130) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِى وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } يعني يوم القيامة، في العيون في خبر الشّامي أنّه سأل أمير المؤمنين عليه السلام هل بعث الله نبيّاً إلى الجنّ فقال نعم بعث الله نبيّاً يقال له يوسف فدعاهم إلى الله فقتلوه.
وعن الباقر عليه السلام في حديث إن الله عزّ وجلّ أرسل محمّداً صلىّ الله عليه وآله وسلم إلى الجنّ والإِنس.
أقول: وعموم رسالته الثقلين مستفيض { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا } بالجرم والعصيان وهو اعتراف منهم بالكفر واستيجاب العذاب { وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيَا وَشِهِدُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } ذمّ لهم على سوءِ نظرهم وخطأ رأيهم فانّهم اغتّروا بالحياة الدّنيا واللذات المخدجة وأعرضوا عن الآخرة بالكلية حتى كان عاقبة أمرهم أن اضطّروا إلى الشهادة على أنفسهم بالكفر والإِستسلام للعذاب المخلّد تحذيراً للسامعين من مثل حالهم.
{ (131) ذَلِكَ } أي ارسال الرسل { أَن لَّمْ يَكُن } لأن لم يكن { رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ } ظالماً أو بسبب ظلم فعلوه { وَأهْلُهَا غَافِلُونَ } لم ينبّهوا برسول.
{ (132) وَلِكُلٍّ } من المكلفين { دََرَجَاتٌ } مراتب { مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بَغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب وقرء بالخطاب.
{ (133) وَرَبَّكَ الْغَنِىُّ } عن عباده وعن عبادتهم { ذُو الرَّحْمَةِ } يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع العظيمة التي لا يحسن ايصالهم اليها إلا بالإِستحقاق { إن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ } أيها العُصاة { وَيَسْتَخْلفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ } وينشئ من بعد هلاككم وَ اذهابكم خلقاً غيركم يطيعونه يكونوا خلقاً لكم { كَمآ أَنْشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قُوْمٍ آخَرِينَ } قرناً بعد قرن.
{ (134) إنَّ مَا تُوعَدُونَ } من الحشر والثواب والعقاب { لأَتٍ } لكائن لا محالة { وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } بخارجين من ملكه يقال أعجزني كذا أي فاتني وسبقني.
{ (135) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ } قيل على غاية تمكّنكم واستطاعتكم أو على حالكم التي أنتم عليها وقرىء مكاناتكم حيث ما وقع { إنِّي عَامِلٌ } على مكانتي التي أنا عليها وهو تهديد والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم فانّي ثابت على الإِسلام وعلى مصابرتكم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ } أيّنا تكون له العاقبة الحسنى التي خلق الله لها هذه الدار وقرىء يكون بالياءِ والتهديد بصيغة الأمر مبالغة في الوعيد وتسجيل على المأمور بأنّه لا يأتي منه إلاّ الشرّ وهذا كقوله تعالى
{ { اعملوا ما شئتم } { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } وضع الظالمين موضع الكافرين لأنّه أَعَمّ وأكثر فائِدة.