التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
١٥٩
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦٠
-الأنعام

الصافي في تفسير كلام الله الوافي

{ (159) إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ } بددوه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وافترقوا فيه وقرىء فارقوا أي باينوا ونسبها في المجمع الى أمير المؤمنين عليه السلام.
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال كان عليّ عليه السلام يقرؤها فارقوا دينهم قال فارق والله القوم { وَكَانُواْ شِيَعاً } فرقاً يشيع كل فرقة اماماً.
في المجمع عن الباقر عليه السلام أنهّم أهل الضّلال وأصحاب الشبهات والبدع من هذه الأمّة.
والقمي قال فارقوا أمير المؤمنين عليه السلام وصاروا أحزاباً.
وعن الصادق عليه السلام في هذه الآية فارق القوم والله دينهم.
وفي الحديث النبوي
"ستفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة وهي التي تتبع وصيّي عليّاً" { لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ } قيل أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم وقيل معناه أنّك على المباعدة التامة من الإِجتماع معهم في شيء من مذاهبهم الفاسدة { إِنَّمآ أَمْرُهُمْ } والحكم بينهم في اختلافهم { إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } بالمجازاة.
{ (160) مَنْ جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } أي عشر حسنات أمثالها فضلاً من الله تعالى.
في المجمع عن الصادق عليه السلام
"لما نزلت هذه الآية من جاء بالحَسَنة فله خير منها قال رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم ربّ زدني فأنزل الله سبحانه من جاء بالحَسَنة فله عشر أمثالها" الحديث.
القميّ فهذه ناسخة لقوله من جاء بالحسنة فله خير منها.
أقول: هذا أقل ما وعد من الإِضعاف وقد جاء الوعد بسبعين وسبع مائة وبغير حساب.
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام انّه سئل هل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك فقال لا هما يجريان في ذلك مجرى واحد ولكن للمؤمن فضل على المسلم في أعمالهما وما يتقربان به الى الله عزّ وجلّ قيل أليس الله عزّ وجلّ يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وزعمت أنهم مجتمعون على الصلاة والزكاة والصوم والحجّ مع المؤمن قال أليس قد قال الله يضاعفه له أضعافاً كثيرة فالمؤمنون هم الذين يضاعف الله لهم حسناتهم لكل حسنة بسبعين ضعفاً فهذا فضل المؤمن ويزيده الله في حسناته على قدر صحة ايمانه اضعافاً كثيرة ويفعل الله بالمؤمنين ما يشاء من الخير.
والقميّ عنه عليه السلام في هذه الآية هي للمسلمين عامّة قال فان لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنة في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق { وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا } عدلاً من الله سبحانه { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } بنقص الثواب وزيادة العقاب.
القمي عن الصادق عليه السلام لما أعطى الله سبحانه إبليس ما أعطاه من القوّة قال آدم يا ربّ سلطته على ولدي وأجريته فيهم مجرى الدّم في العروق وأعطيته ما أعطيتّه فما لي ولولدي فقال لك ولولدك السّيئة بواحدة والحسنة بعشر أمثالها قال ربّ زدني قال التوبة مبسوطة الى أن تبلغ النّفس الحلقوم فقال يا ربّ زدني قال اغفر ولا أبالي قال حسبي.
أقول: لعلّ السّرّ في كون الحسنة بعشر أمثالها والسّيئة بمثلها انّ الجوهر الإِنساني المؤمن بطبعه مائل الى العالم العلّوي لأنّه مقتبس عنه وهبوطه الى القالب الجسماني غريب من طبيعته والحسنة انما ترتقي الى ما يوافق طبيعة ذلك الجوهر لأنّها من جنسه والقوة التي تحرك الحجر الى ما فوق ذراعاً واحداً هي بعينها ان استعملت في تحريكه الى أسفل حركتّه عشرة أذرع وزيادة فلذلك كانت الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمأة ضعف ومنها ما يوفى أجرها بغير حساب والحسنة التي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء او عجب كالحجر الذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع لأنّه لا يتقدر مقدار هويته بحساب حتى تبلغ الغاية.